للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ المَقَالَةَ. وَالتَّقْدِيرُ: يُسْقَى ابْنُ أَحْمَرَ فَلَا يُرْوَى مِنِّي، فَقَدَّمَ وَأَخَرَ، وَضَرَبَ السَّقْيَ وَالرِّيَّ مَثَلًا لِمَا يَنَالُهُ فِيهَا مِنَ المَآرِبِ وَيُدْرِكُهُ بِالسَّفَرِ عَلَيْهَا مِنَ المَطَالِبِ وَقَبْلَهُ: (طويل)

فَزِعْتُ إِلَى القَصْوَاءِ وَهْيَ مُعَدَّةٌ … لأَمْثَالِهَا مِنِّي إِذَا كُنْتُ أَوْجَرَا (١)

كَثَوْرِ العَذَابِ الفَرْدِ يَضْرِبُهُ النَّدَى … تَعَالَى النَّدَى فِي مَتْنِهِ وَتَحَدَّرَا" (٢)

وَاسْتَعْمَلَ "إِلَى" مَوْضِعَ "مِنْ" وَجَازَ اسْتِعْمَالُهَا هَا هُنَا، لأنَّ الرَّيَّ مِنَ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ظَمَإٍ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الظَّمَأُ هُوَ السَّبَبُ الدَّاعِي إِلَى الرِّيِّ، اسْتَعْمَلَ الحَرْفَ الَّذِي يَتَعَدَّى بِهِ ضِدُّهُ، كَاسْتِعْمَالِهِمْ "عَلَى" الَّتِي تُعَدِّي السَّخَطَ مَكَانَ "عَنْ" الَّتِي يَتَعَدَّى بِهَا الرِّضَى فِي قَوْلِهِ: (وافر)

إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ (٣)

وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: يُسَقَّى ابن أَحْمَرَ فَلَا يُرْوَى ظَمَأُهُ إِلَيَّ، فَتَرَكَ ذِكْرَ الظَّمَإِ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى مَفْهُومًا، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَسْتَوْحِشَ مِنْ تَرْكِهِ ذِكْرَ الْفَاعِلِ، لأنَّهُ قَدْ أَقَامَ الضَّمِيرَ الَّذِي كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ مُقَامَ الفَاعِلِ، فَصَارَ مُسْتَتِرًا فِي الْفِعْلِ. أَلَا تَرَى أَنَّ التَّقْدِيرَ: فَلَا يُرْوَى هُوَ. وَيُشْبِهُ هَذَا قَوْلَهُمْ: هَذَا "جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ" فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ. خَرِبٍ جُحْرُهُ، فَحَذَفَ الجُحْرَ الَّذِي كَانَ فَاعِلًا وَأَقَامَ الضَّمِيرَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مُقَامَهُ، فَصَارَ مُسْتَمِرًّا فِي خَرِبٍ.

وَقَدْ وَجَدْنَاهُمْ يَحْذِفُونَ الفَاعِلَ دُونَ أَنْ يُقِيمُوا شَيْئًا مُقَامَهُ اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ السَّامِع، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ (٤) وَكَقَوْلِ عَنْتَرَةَ: (وافر)

وَأُدْفِئُهُ إِذَا هَبَّتْ شَمَالًا … بَلِيلًا حَرْجَفًا بَعْدَ البَلِيلِ (٥)


(١) البيتان والذي قبلهما في ديوان ابن أحمر: ٨٣ - ٨٤؛ المؤتلف والمختلف: ٣٧؛ ضرائر ابن عصفور: ٢٣٧؛ شرح أبيات المغني: ٢/ ١٢٩.
(٢) الاقتضاب: ٣/ ٣٥٧.
(٣) بيت القحيف سبق تخريجه.
(٤) سورة ص (٣٧): الآية ٣٣.
(٥) ديوانه: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>