للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّخْصِيصِ، أَوِ العِلَّةِ أَوِ السَّبَبِ. وَ"إِلَى" لانْتِهَاءِ الغَايَةِ، وَغَايَةُ كُلِّ مَمْلُوكٍ أَنْ يَلْحَقَ بِمَالِكِهِ، وَغَايَةُ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ أَنْ يَلْحَقَ بِمُسْتَحِقِّهِ، وَغَايَةٌ كُلِّ مُخْتَصٍّ أَنْ يَلْحَقَ بِمُخْتَصِّهِ، وَغَايَةُ كُلِّ مَعْلُولٍ أَنْ يَلْحَقَ بِعِلَّتِهِ، فَكُلُّهَا يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى "إِلَى" وَمَوْضُوعِهَا الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ" (١).

وَقَوْلُهُ: "ارْكَبْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ (٢) إِلَى آخِرِ الفَصْلِ.

"قَدْ ذَكَرْنَا "عَلَى" فِيمَا تَقَدَّمَ وَقُلْنَا: إِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنَى العُلُوِّ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا حِسًّا أَوْ عَقْلًا. وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُ "عَلَى" هَا هُنَا بِمَعْنَى "البَاءِ"، لأَنَّ "البَاءَ" و "عَلَى" يَقَعَانِ جَمِيعًا مَوْقِعَ الحَالِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ. فَيُقَالُ: جَاءَنِي زَيْدٌ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَيَكُونُ المَعْنَى وَاحِدًا. وَقَدْ يَكُونُ لِقَوْلِنَا: جَاءَ زَيْدٌ بِثِيَابِهِ، مَعْنًى آخَرُ. وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُ سَاقَهَا غَيْرَ لابسٍ لَهَا، فَهَذَا غَيْرُ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ.

وَالفَرْقُ بَيْنَ المَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ "البَاءَ" تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الوَجْهِ الآخَرِ بِالفِعْلِ الظَّاهِرِ، وَفِي الوَجْهِ الأَوَّلِ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، لأَنَّ كُلَّ حَرْفِ جَرٍّ وَقَعَ مَوْقِعَ حَالٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ خَبَرٍ فَإِنْهُ يَتَعَلَّقُ أَبَدًا بِمَحْذُوفٍ، وَذَلِكَ المَحْذُوفُ هُوَ مَا نَابَ مَنَابَهُ، وَوَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَلأَجْل هَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: ارْكَبْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا: ارْكَبْ عَلَى الفَرَسِ، لأَنَّ "عَلَى" هَا هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِنَفْسِ الفِعْلِ الظَّاهِرِ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِن الإِعْرَابِ وَهِي فِي قَوْلِنَا: ارْكَبْ عَلَى اسْم الله مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَلَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الإِعْرَابِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالحَالِ الَّتِي نَابَتْ مَنَابَهَا. وَالتَّقْدِيرُ: ارْكَبْ مُعْتَمِدًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (كامل)

شَدُّوا المَطِيَّ عَلَى دَلِيلٍ دَائِبٍ (٣)


(١) الاقتضاب: ٢/ ٢٨٧.
(٢) أدب الكتّاب: ٥١٦. أي باسم الله "على" بمعنى الباء ويقال: "عنف عليه" و "به" و "أخرق عليه" و "به".
(٣) البيت لعوف بن عطية بن الخرع. وعجزه:
ما بين كاظمة وسيف الأجفر =

<<  <  ج: ص:  >  >>