للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَ"تَسْتَمِيثُ": تَسْتَخْرِجُ، أَيْ: مَاذَا تَسْتَخْرِجُ وَتُثِيرُ مِنَ الشَّرِّ بِمَا قُلْتَهُ.

وَ"التَّفَقُّرُ": اتِّبَاعُ الأَثَرِ. وَ"مَكِيثُ": مُحْتَبِسٌ.

فَيَجِبُ عَلَى مَا قَالَ الأَصْمَعِيُّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الإِضْمَارِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، لِمَا فِي الكَلَام عَلَيْهِ مِنَ الدَّلِيلِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشِّعْرِ، إِلَّا أَنَّ في الشَّعْرِ بَيْتًا وَهُوَ: (وافر)

فَلَا وَأَبِيكَ لَا تَنْفَكُّ مِنِّي … إِلَيْكَ مَقَالَةٌ فِيهَا وَعُوثُ (١)

فَهَذَا البَيْتُ لَوْ قُدِّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: "مَتَى تُنْكِرُوهَا" (٢) اسْتَقَامَ الشِّعْرُ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِضْمَارِ شَيْءٍ لَمْ يُذْكَرْ، لأَنَّ الهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى المَقَالَةِ. وَالمَعْنَى: إِنِّي أَقُولُ فِيهِمْ مَقَالَةً لَا تَقْدِرُونَ عَلَى إِنْكَارِهَا وَدَفْعِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لأَنِّي أَسِمُهَا بِأَسْمَائِكُمْ، وَعَلَى أَقْطَارِهَا الدَّمُ المَنْفُوثُ، أَيْ: إِنَّهَا مَقَالَةٌ تُثِيرُ الحَرْبَ وَسَفْكَ الدِّمَاءِ. كَمَا يُقَالُ: هَذَا كَلَامٌ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ.

فَإِذَا حُمِلَ الشِّعْرُ عَلَى هَذَا كَانَتْ "عَلَى" قَدْ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَالضَّمِيرُ قَدْ عَادَ إِلَى مَذْكُورٍ وَهَذَا مِمَّا أَفْسَدَتْهُ الرُّوَاةُ، فَقَدَّمُوا وَأَخَّرُوا، لأَنَّ الشَّاعِرَ كَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ، فَيُنْشِدُهُ بِعُكَاظَ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ المَوَاسِمِ، فَيَحْفَظُهُ عَنْهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَابِ، وَيَذْهَبُونَ بِهِ إِلَى الأَقْطَارِ، فَيُقَدِّمُونَ وَيُؤَخِّرُونَ. وَرُبَّمَا حَفِظَ السَّامِعُ بَعْضَ الشِّعْرِ، وَلَمْ يَحْفَظَ بَعْضَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا أَصْحَابَ خَطٍّ، فَيُقَيِّدُونَ" (٣).

"وَ"يَعِمْنَ" فِي بَيْتِ امْرِئِ القَيْسِ (٤) مِنْ قَوْلِكَ: وَعَمَ يَعِمُ، كَوَعَدَ يَعِدُ، وَوَعِمَ يَعِمُ بِكَسْرِ العَيْنِ، كَوَمِقَ يَمِقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ "يَعِمُ" مَحْذُوفٌ مِنْ


(١) لم نهتد إلى هذا البيت لا في شعر صخر ولا في شعر أبي المثلم.
(٢) أدب الكتّاب: ٥١٨.
(٣) الاقتضاب: ٣/ ٣٨١ - ٣٨٣.
(٤) أنشده في أدب الكتّاب: ٥١٨. وهو:
وهل ينعمن من كان أحدث عهده … ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال
ديوانه: ٢٧؛ الحماسة البصرية: ١/ ١٦٣؛ ويروى: "آخر عهده"؛ الخزانة: ١/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>