للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى زِيَادَةِ "البَاءِ" هَا هُنا، لأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ المَفْتُونَ اسْمُ المَفْعُولِ مِنْ فَتَنْتُهُ، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا الاِعْتِقَادِ أَنْ يُقَالَ: أَيُّكُمْ الْمَفْتُونُ عَلَى الابْتِدَاءِ وَالخَبَرِ، وَصَارَتِ "البَاءُ" هَا هُنَا زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِمْ: بِحَسْبِكَ قَوْلُ السُّوءِ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: (سريع)

بِحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَنْ يَعْلَمُوا … بِأَنَّكَ فِيهِمْ غَنِيٌّ مُضِرْ

وَالأَجْوَدُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يَكُونَ "المَفْتُونُ" مَصْدَرًا جَاءَ عَلَى زِنَةِ "المَفْعُولِ" كَقَوْلِهِمْ: خُذ مَيْسُورَهُ وَدَعْ مَعْسُورَهُ، فَيَرْتَفِعُ بِالإِبْتِدَاءِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: "بِأَيِّكُمُ" فِي مَوْضِع رَفْعٍ عَلَى خَبَرِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: بِأَيِّكُمُ الفُتُونُ، كَمَا تَقُولُ: بِأَيِّكُمُ المَرَضُ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ "البَاءَ" هَا هُنَا بِمَعْنَى "فِي كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ بِالبَصْرَةِ وَفِي البَصْرَةِ. وَالمَفْتُونُ: اسْمُ مَفْعُولٍ لَا مَصْدَرٌ مَرْفُوعٌ بِالابْتِدَاءِ، وَالمَجْرُورُ مُتَضَمِّنٌ لِخَبَرِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي أَيِّكُمُ المَفْتُونُ؟ كَمَا تَقُولُ: فِي أَيْكُمُ الضَّالُّ؟ وَفِي أَيِّ الطَّائِفَتَينِ الكَافِرُ؟ " (١).

"وَأَمَّا قَوْلُ امْرِيءِ القَيْسِ:

هَصَرْتُ بِغُصْنٍ (٢). (البيت)

فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الوَجْهَيْنِ المُتَقَدِّمَيْنِ: مِنْ زِيَادَةِ "البَاءِ"، وَمِنْ مَعْنَى الإِلْصَاقِ، وَيُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالإِلْصَاقِ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْقَعْتُ الهَصْرَ بِالغُصْنِ لأَفَادَ مَا يُفيدُهُ قَوْلُهُ: هَصَرْتُ غُصْنًا، وَكَذلِكَ لَوْ قَالَ القَائِلُ: أَوْقِعِ الهَزَّ بِالجِذْعِ، وَالشَّرْبَ بِالمَاءِ، لأفَادَ مَا يُفيدُهُ: هُزِّ الجِذْعَ، وَاشْرَبِ المَاءَ. فَكَأَنَّهُ كَلَامٌ حُمِلَ عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ فِي المَعْنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِهِمْ


(١) الاقتضاب: ٢/ ٣٠٤.
(٢) أنشده في أدب الكتّاب: ٥٢٢. وهو:
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت … هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
ديوانه: ٣٢؛ شرح الجواليقي: ٢٧٨؛ الاقتضاب: ٢/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>