للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تولى الحكم بعد المهدي عبد المؤمن بن علي الكومي الموحدي (١)، وقد عمل على توطيد نفوذ الدولة بالأندلس، مما جعله في حروب ومناوشات دائمة مع حكام النصارى الإسبان من جهة، والبرتغاليين ومن يواليهم من جهة أخرى، ومنهم ابن مردنيش الذي حاول التفرد بشرق الأندلس، وكذا فرناندو الثاني ملك ليون، وألفونسو هنريكيز ملك البرتغال. وقد تمكن عبد المؤمن من هزيمة ابن مردنيش، "ونشبت بين الفريقين معركة هائلة، قاتل فيها الموحدون والعرب أشد قتال وأروعه، واستمرت حتى مغيب الشمس، ورجحت كفة الموحدين في النهاية؛ ففتكوا بجيش ابن مردنيش، قتلوا منهم مقتلة عظيمة. وكانت هزيمة "فحص الجلاب" من أقسى الضربات التي أصابت ابن مردنيش، وكانت بداية انحلال ثورته وانهيار سلطانه في شرقي الأندلس" (٢).

وكان ذلك أعظم فتح للموحدين في الأندلس على عهد عبد المؤمن سنة (٥٥٧ هـ) فضم ما بقي من شرق الأندلس إلى الدولة الموحدية. وبعد وفاته سنة (٥٥٨ هـ) عهد بالحكم إلى ابنه أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، الذي تولى الخلافة بعد خلع أخيه محمد وذلك لما عرف به من فضائل عظيمة، وسيرة كريمة، وأفعال عظيمة، وصلاح شهد له به جميع أشياخ القبائل. وأتم ما بدأ به أبوه في الأندلس، وتابع الفتوح بها حتى ضم مدينة تطيلة قاصية شرق الأندلس، وكذا بلاد شنترين من غربها.

وقد كان الخليفة أبو يعقوب يوسف من أعظم خلفاء الدولة الموحدية، وامتاز حكمه بالحزم والعدل؛ وذلك لما اتسم به من التقوى والورع والعلم والتبحُّر في العلوم الشرعية. قال فيه ابن صاحب الصلاة: "كان الأمير أبو يعقوب يوسف كاملًا فاضلًا، عدلًا ورعًا، جزلًا، مستظهرًا للقرآن حافظًا له، عالمًا بالحديث، متقنًا للعلوم الشرعية والأصولية متقدمًا في علم الإمام المهدي " (٣).


(١) عبد المؤمن بن علي، الخليفة الثاني للدولة الموحدية.
(٢) المن بالإمامة لابن صاحب الصلاة: ١٤٧؛ عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس لمحمد عبد الله عنان: ١٨.
(٣) المن بالإمامة: ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>