للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "فَلَا يُرْمَى بِهِ الرَّجْوَانِ" مَثَلٌ يُضْرَبُ لِمَنْ يُتَهَاوَنُ بِهِ وَلِمَنْ يُعَرَّضُ لِلْمَهَالِكِ. وَالرَّجَوَانِ: جَانِبَا الْبِئْرِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْبِئْرَ إِذَا كَانَتْ مَطْوِيَّةً بِالْحِجَارَةِ احْتَاجَ الْمُسْتَقِي مِنْهَا أَنْ يَتَحَفَّظَ بِالدَّلْوِ لِئَلَّا تُصِيبَ أَحَدَ جَانِبَيْهَا فَتَنْخَرِقَ أَوْ تَتَقَطَّعْ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السُّقَاةِ: (رجز)

أَمَا يَزَالُ قَائِلٌ آبِنُ آبِنْ … دَلْوَكَ عَنْ حَدِّ الضُّرُوسِ وَاللَّبِنْ (١)

وَقَوْلُهُ: فَلَا يُرْمَى، "لَا" بِمَعْنَى "لَيْسَ"، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَهْيًا وَأَثْبَتَ الْأَلِفَ ضَرُورَةً.

وَقَدْ رُوِيَ: فَلَا يُقْذَفُ، وَأَقَلُّ مَرْفُوعٌ بِالْابْتِدَاءِ، وَمَنْ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ، ومعناه: قَلِيلٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ يُغْنِي مَكَانِي وَيَنُوبُ مَنَابِي، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ، وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ هَا هُنَا بِمَعْنَى النَّفْيِ كقولهم: أَقَلُّ رَجُلٍ يقول: ذَاكَ إِلَّا زَيْدٌ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قَلَّ انْتَفَى أَكْثَرُهُ" (٢).

س: يُقَالُ فُلَانٌ لَا يُرْمَى بِهِ الرَّجَوَانِ، إِذَا كَانَ لَا تُقْطَعُ الْأُمُورُ دُونَهُ.

قَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ (٣): (طويل)

فَمَا أَنَا يَا ابْنَ الْغَمْرِ تُجْعَلُ دُونَهُ … العِصِيُّ وَلَا يُرْمَى بِهِ الْرَّجَوَانِ (٤)

وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُرْمَى بِهِ الرَّجَوَانِ كِنَايَةً عَنِ الْاِسْتِقَاءِ وَالْمِهْنَةِ، أَيْ لَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُسْتَهَانُ بِهِ.


= الجواليقي: ٢٦١؛ المغني: ٤/ ١٤٧؛ ل التاج: (رجا).
(١) الرجز لسالم بن دارة في شعره: ٧٥؛ الخزانة: ٢/ ١٤٢؛ ل (لبن).
(٢) الاقتضاب: ٣/ ١٩١ - ١٩٢.
(٣) زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ الكلابي، أبو هذيل، أمير من التابعين من أهل الجزيرة توفي سنة (٧٥ هـ)، الخزانة: ١/ ٣٩٣؛ الأعلام: ٣/ ٤٥.
(٤) ديوانه: ٢٠؛ الكامل: ٥٣٣؛ شرح شواهد المغني: ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>