للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَافْتَتَحَ بِلَادَ الْعَجَمِ وَدُوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَجَبَى الْخَرَاجَ، وَأَعْطَى الْأَعْطِيَةَ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تُؤَرِّخُ؟ فَقَالَ: وَمَا التَّارِيخُ؟ فَقِيلَ: شَيْءٌ كَانَ تَفْعَلُهُ الْعَجَمُ يَكْتُبُونَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: نَبْدَأُ مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ مِنْ وَفَاتِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ مِنَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى الْإِبْتِدَاءِ بِالتَّارِيخِ مِنَ الْهِجْرَةِ ثُمَّ قَالُوا: بِأَيِّ الشُّهُورِ نَبْدَأُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَبْدَأُ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنَ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنْ حَجِّهِمْ فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ فِي شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ.

وَكَانَ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ، فَقُدِّمَ التَّارِيخُ عَنِ الْهِجْرَةِ بِشَهْرَيْنِ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَجُعِلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ (١).

وَكَانُوا يَكْتُبُونَ: شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرُ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَشَهْرُ رَبِيعُ الْآخِرِ، فَيَذْكُرُونَ الشَّهْرَ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَذْكُرُونَهُ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ.

وَالشُّهُورُ كُلَّهَا مُذَكَّرَةُ الْأَسْمَاءِ إِلَّا جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكُلُّهَا مَعَارِفُ جَارِيَةٌ مُجْرَى الْأَعْلَامِ (٢).

قوله: "الْمُؤَنَّثُ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ بِغَيْرِ هَاءٍ" (٣).

ع: خُصَّ الْمُذَكَّرُ بِالْهَاءِ لِأَنَّهُ أَوَّلٌ وَالْتَأْنِيتُ بِالْعَلَامَةِ أَوَّلُ فَجُعِلَ الْأَوَّلُ لِلأَوَّلِ، وَالْعَدَدَ كُلُّهُ بِهَاءٍ، وَبِغَيْرِ هَاءٍ مُؤنَّثٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ وَالْجُمُوعُ مُؤَنَّثَةٌ.

قوله: "فَتُلْحِقُ الْهَاءَ فِي الْعَدَدِ الثَّانِي" (٤).

د: خَالَفَتِ الْعَشْرَةُ هُنَا حُكْمَهَا قَبْلُ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا غَيَّرُوهُ بِالتَّرْكِيبِ غَيَّرُوا الْعَشَرَةَ عَنْ حَالِهَا قَبْلَ التَّرْكِيبِ، وَبَقِيَتِ الْآحَادُ عَلَى حَالِهَا إِبْقَاءً عَلَى الْأَصْلِ.


(١) تاريخ اليعقوبي: ٢/ ٤١؛ الكامل في التاريخ: ٢/ ٧١.
(٢) الكامل للمبرد: ٢/ ١٤٣.
(٣) أدب الكتاب: ٢٧٠.
(٤) نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>