وقرأه عليه قراءة تفهم لمعانيه وتصحيح لألفاظه. . ." (١).
لقد كان الجذامي تلميذًا للغوي العالم الزاهد داود بن يزيد السعدي الذي لم نجد للجذامي ذكرًا في مصادر ترجمته، رغم أنه كان يروي عنه ويأخذ عنه كثيرًا وبالعودة إلى مصادر الشرح تبيّن لنا ذلك؛ كما مكّننا هذا المخطوط الأخير من التثبت من الخطوات الكبرى في منهج الشارح في شرحه، والذي كان واحدًا في كلا الشرحين السابقين من: توثيق لأخباره، وإثبات مصادره، وأسلوبه في اختصار أسماء العلماء في رموز، طلبًا للاختصار وترك التطويل بالإفصاح عنهم وغير ذلك مما سبق ذكره.
كما دلّتنا هذه الدراسة المتواضعة لكتاب "الانتخاب في شرح أدب الكتّاب" على اكتشاف شرحين لكتاب "أدب الكتاب" لابن قتيبة وهما:
الأول: شرح أبي علي القالي البغدادي، وهي بعض تعليقاته على النسخة التي رواها من "أدب الكتاب"، ولو جمعت هذه التعليقات لألفت مؤلفًا ضخمًا لن يقل عن طرر الوقشي والبطليوسي على كامل المبرد.
والثاني: شرح داود بن يزيد السعدي الذي كان يتتبع أبواب "أدب الكتّاب" يشرح ويوثق مصادر ابن قتيبة، وقد سبق أن بيّنا ذلك في شروح "أدب الكتّاب" وسنعمل بحول الله جاهدين على جمع هذه النقول وطبعها في كتاب مستقل، لنوفي هذا العالم الزاهد حقه ومقداره.
ولعلّ هذا الشرح القيّم على "أدب الكتّاب" والآخر على "المقامات الحريرية" يفتحان الباب للعديد من الباحثين للكشف عن هذه الجوانب المضيئة من هذا العالم المقتدر الذي نسي أو تنوسي، عن الجذامي النحوي المتخصص والفقيه الورع اللغوي المتمكن من اللغة وعلومها ولغات القبائل والكلام المعرب مما رأينا، أو منهجه المتميز الذي فاق فيه شراح "أدب الكتاب"، في شرح ما لم يشرحه كل ما ابن السيد البطليوسي والجواليقي، وعدم فصله بين خطبة الكتاب والمادة اللغوية والشاهد الشعري في أجزاء