ذكر ولده له ترجمة حسنة وقال: رحل بي وبأخي سنة تسع وخمسمائة إلى نيسابور فسمعنا من الشيروي وقد أملى مائة وأربعين مجلسًا بجامع مرو وكل من رآها اعترف له أنه لم يسبق إلى مثلها، وكان يعظ ويروي في وعظه الحديث بأسانيده، وقد طلب مرة من أهل المجلس لقراء مجلسه فجاءه لهم من الحاضرين ألف دينار، وسمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل يقول: لو صرف والدك همته إلى هدم هذا الجدار لسقط. قال أبو سعد, وقيل له في مجلس الوعظ: إنه يضع -يعني الأسانيد- في الحال: فنحن لا نعرف؛ وكتبوا له بذلك رقعة؛ فنظر فيها وروى حديث:"من كذب عليّ متعمدًا" من نيف وتسعين طريقًا، ثم قال: إن كان أحد يعرف فقولوا له يكتب عشرة أحاديث بأسانيدها ويخلط الأسانيد ويسقط منها فإن لم أميزها فهو كما يدعي؛ ففعلوا ذلك امتحانا فرد كل اسم إلى موضعه. فهذا اليوم الذي طلب لقراء مجلسه فحصل لهم ألف دينار. قال: هذا معنى ما حدثنا به شيخنا محمد بن أبي بكر السنجي.
قلت: روى عنه رفيقه أبو طاهر السلفي وأبو الفتوح الطائي وأهل مرو، وقال ولده: نشأ في عبادة وتحصيل وبرع في الأدب وكان متصرفًا في فنون بما يشاء وبرع في الفقه والخلاف وزاد على أقرانه بعلم الحديث ومعرفة الرجال والأنساب والتاريخ وطرز فضله بمجالس تذكيره الذي يصدع صم الصخور عند تحذيره ونفق سوق تقواه عند الملوك والأكابر إلى أن قال: ومات في صفر سنة عشر وخمسمائة وله ثلاث وأربعون سنة.
ولما حج هو والسلفي ظفرا بأبي مكتوم عيسى بن أبي ذر فتهاونا فسارع في النفر الأول ورجع إلى موطنه سراة بني شبابة وفاتهما، فتحزن تاج الإسلام أبو بكر فأخذ السلفي يسليه ويقول: ما كان معه سوى صحيح البخاري وأنت في إسناده مثله. قلت: ولا كان البخاري معه, بل قد كان باعه لأمير مغربي سمعه منه فبذل له مالًا وأخذه منه.
أخبرنا محمد بن قايماز بقراءتي أنا أبو المنجي بن اللتي أنا أبو الفتوح محمد بن محمد الطائي أنا تاج الإسلام محمد بن منصور أنا عمر بن المبارك نا عبد الملك بن محمد نا عبد الله بن محمد بن إسحاق نا أبو يحيى بن أبي مسرة أنا خلاد بن يحيى أنا قطر بن خليفة عن القاسم بن أبي بزة, سمعت أبا الطفيل قال: قيل لعلي, رضي الله عنه: هل ترك رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كتابًا عندكم؟ قال: ما ترك كتابًا نكتمه إلا شيئًا في علاقة سيفي, فوجدنا صحيفة صغيرة فيها:"لعن الله من تولى غير مواليه، لعن الله من أهلَّ لغير الله، لعن الله من زحزح منار الأرض". أخرجه مسلم من حديث شعبة عن بن أبي بزة.