للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن بدائع كلامه: عقارب المنايا تلسع, وخدران جسم الأمل يمنع الإحساس، وماء الحياة في إناء العمر يرشح بالأنفاس. وقال لوليّ أمر: اذكر عند القدرة عدل الله فيك وعند العقوبة قدرة الله عليك، وإياك أن تشفي غيظك بسقم دينك. وقال لصاحب له: أنت في أوسع العذر من التأخير عني لثقتي بك وفي أضيقه من شوقي إليك. وقال رجل: ما نمت البارحة من شوقي إلى المجلس قال: لأنك تريد الفرجة وإنما ينبغي الليلة ألا تنام. وقام إليه رجل فقال: يا سيدي تريد كلمة ننقلها عنك, أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: اقعد فقعد، ثم قام فأعاد مسألته فأقعده، ثم قام فقال: اقعد فأنت أفضل من كل رجل. وسأله آخر هذه المسألة وكان للشيعة ظهور فقال: أفضلهما من كانت ابنته تحته, فألقى هذا القول في أودية الاحتمال ورضي الفريقان بجوابه. وسأله آخر: أيما أفضل أُسبح أم أستغفر؟ فقال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور. وذكر في حديث: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"؛ فقال: إنما طالت أعمار الأوائل لطول البادية, فلما شارف الركب بلدًا لإقامة قيل: حثوا المطيّ.

ومن كلامه: من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه. وقال في وعظه: يا أمير المؤمنين, إن تكلمت خفت منك وإن سكت خفت عليك, فأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك، أقول قول الناصح: اتق الله، خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم. وقال: يفتخر فرعون بملك مصر بنهر ما أجراه، ما أجراه. وإليه المنتهى في النثر والنظم الوعظي.

وقد سقت كراسًا من أخباره في تاريخ الإسلام وقد نالته محنة في أواخر عمره؛ وشوا إلى الخليفة عنه بأمر اختلف في حقيقته فجاءه من شتمه وأهانه وختم على داره وشتت عياله ثم أخذ في سفينة إلى واسط فحبس بها في بيت وبقي يغسل ثوبه ويطبخ, ودام على ذلك خمس سنين وما دخل فيها حمامًا.

قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب الجيلي تجاه الوزير ابن القصاب وكان الركن سيئ النحلة أحرقت كتبه بإشارة ابن الجوزي وأعطي مدرسة الجيلي فعمل الركن عليه وقال لابن القصاب الشيعي: أين أنت من ابن الجوزي فإنه ناصبي ومن أولاد أبي بكر؛ فمكن الركن من الشيخ فجاء وسبه وأنزل معه في سفينة لا غير وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل وعلى رأسه تجفيفة وكن ناظر واسط شيعيًّا فقال له الركن: مكني من عدوي هذا لأرميه في مطمورة فزجره وقال: يا زنديق أفعل هذا بمجرد قولك؟ هات خط الخليفة والله لو كان على مذهبي لبذلت نفسي في خدمته فرد الركن إلى بغداد ثم كان السبب في خلاص الشيخ أن ابنه يوسف نشأ واشتغل وعمل وتوصل فشفعت أم الخليفة في الشيخ فأطلق.

وقد قرأ بواسط وهو ابن ثمانين سنة بالعشر على ابن الباقلاني وتلا معه ولده يوسف، نقل ذلك ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>