قال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصورة حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات والنغمات لذيذ المفاكهة يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون لا يضيع من زمانه شيئًا يكتب في اليوم أربعة كراريس، وله في كل علم مشاركة، ولكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ, وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كافٍ، وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية.
وله في الطب "كتاب اللقط" مجلدان وكان يراعي حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة، جل غذائه الفراريج والمزاوير ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس الأبيض الناعم الطيب وله ذهن وقاد وجواب حاضر ومجون ومداعبات حلوة ولا ينفك من جارية حسناء. قرأت بخط الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات.
وكان كثير الغلط فيما يصنفه فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره. قلت: نعم، له وهم كثير في تواليفه يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر ومن أن جُل علمه من كتب صحف ما مارس فيها أرباب العلم كما ينبغي.
وكانت جنازته مشهودة شيّعه الخلائق يوم الجمعة ثالث عشر شهر رمضان إلى مقبرة باب حرب سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقد قارب التسعين.
وفيها مات مسند أصبهان القاضي المعمر أبو المكارم أحمد بن عيسى محمد بن محمد بن اللبان الأصبهاني وقد نيف على التسعين، ومفيد بغداد المحدث المكثر أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد بن كرم البندنيجي ثم الأزجي عن اثنتين وخمسين سنة سمع من أبي الوقت، والمسند أبو محمد عبد الله بن المبارك بن هبة الله بن الطويل الدارقزّي، والمسند عبد الرحمن بن أبي الكرم محمد بن ملاح الشط عن بضع وتسعين سنة، والمسند الواعظ عمر بن علي بن عمر أبو علي الحربي عن أربع وثمانين سنة، والمسند الكبير أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن حمد الكراني الأصبهاني الخباز وله مائة سنة كاملة، والعلامة الوزير البليغ عماد الدين محمد بن محمد بن حامد الكاتب بدمشق عن ثمان وسبعين سنة، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون الحلبي ويعرف بابن الكمال عن بضع وثمانين سنة، ومقرئ العراق أبو شجاع محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي بن المقرون، وقد نيف على الثمانين.
أنبأني جماعة عن أبي الفرج الحافظ وأنا أبو بكر بن عباس أنا يوسف الواعظ أنا جدي لأمي أبو الفرج أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الله الأصبهاني سنة عشرين