ثم يتوضأ ويصلي إلى قريب الفجر، وربما توضأ سبع مرات أو أكثر ويقول: تطيب لي الصلاة ما دامت أعضائي رطبة, ثم ينام نومة يسيرة قبل الفجر وهذا دأبه.
قال الشيخ الموفق: كان رفيقي وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وقيامهم عليه ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها. قال الضياء: وكان لا يرى منكرًا إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم رأيته مرة يريق خمرًا فسل صاحبه السيف فلم يخف وكان قويًّا فأخذ السيف من يد الرجل وكان يكسر الشبابات والطنابير.
وشاهدت بخطه يقول: والملك العادل ما رأيت منه إلا الجميل أقبل عليّ وقام لي والتزمني ودعوت له فقلت: عندنا قصور يوجب التقصير؛ فقال: ما عندك تقصير ولا قصور، وذكر أمر السنة فقال: ما عندك شيء يعاب في أمر الدين والدنيا، ولا بد للناس من حاسد؛ وبلغني عنه بعد ذلك أنه ذكر عنده العلماء فقال: ما رأيت مثل فلان، دخل علي فخيل لي أنه أسد قد دخل علي.
قال الضياء: وكان المبتدعة قد أوغروا صدر العادل على الحافظ وتكلموا فيه عنده وكان بعضهم يقول: ربما يقتله إذا دخل عليه، فسمعت أن بعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار. قال الضياء: سمعت أبا بكر بن أحمد الطحان يقول: جعلوا الملاهي عند درج جيرون فجاء الحافظ فكسر كثيرًا منها وصعد المنبر, فجاءه رسول القاضي يطلبه ليناظره في الدف والشبابة فقال: ذاك حرام ولا أمشي إليه إن كان له حاجة يجيء هو؛ قال: فعاد الرسول فقال: لا بد من مجيئك قد عطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان؛ فمضى الرسول فخفنا من فتنة فما أتى أحد بعد؛ سمعت محمود بن سلامة الحراني بأصبهان يقول: كان الحافظ بأصبهان يخرج فيصطف الناس في السوق ينظرون إليه؛ ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها, يعني: من حبهم له ورغبتهم فيه. قال الضياء: وكنا بمصر نخرج معه للجمعة فلا نقدر نمشي معه من زحمة الناس يتبركون به ويجتمعون حوله، وكان جوادًا كريمًا لا يدخر شيئًا ولا درهمًا، وقيل: كان يخرج في الليل بقفات الدقيق فإذا فتحوا ترك ما معه ومضى لئلا يعرف، وربما كان عليه ثوب مرقع.
سمعت بدر بن محمد الجذري يقول: ما رأيت أحدًا أكرم من الحافظ، لقد أوفى عني غير مرة. وسمعت سليمان الأشعري يقول: بعث الأفضل إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير ففرق الجميع.