للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أفعاله، فبطل كل ما شغبوا به بطلانا متيقنا ولله تعالى الحمد، وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا..

فلما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم تفصيل بتحريم شيء مما ذكرنا صحّ أنه كلّه حلال مطلق، فكيف وقد روينا من طريق مسلم عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فانها أيام عيد، وفي رواية: وليستا بمغنيتين، نعم ولكنها قد قالت: إنهما كانتا تغنيان فالغناء منها قد صحّ، وقولها ليستا بمغنيتين: أي ليستا بمحسنتين، وهذا كله لا حجّة فيه إنما الحجة في إنكاره صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قوله - في إحدى الروايات - أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصحّ أنه مباح مطلق لا كراهة فيه، وأن من أنكره فقد أخطأ بلا شك. وقد روينا بسند إلى نافع مولى ابن عمر قال: سمع ابن عمر مزمارا فوضع اصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي: يا نافع عل تسمع شيئا؟ قلت: لا، فرفع اصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا وضع مثل هذا.

قال أبو محمد: هذه الحجة القاطعة بصحّة هذه الأسانيد ولو كان المزمار حراما سماعه لما أباح عليه السلام لابن عمر سماعه. ولو كان عند ابن عمر حراما سماعه لما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بكسره، ولكنه لم يفعل وإنما تجنب - عليه السلام - سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا: كتجنبه الأكل متكئا، وأن يبيت عنده دينار أو درهم، وأن يعلق الستر على سهوة في البيت، وبالله تعالى التوفيق. وعن عائشة أيضا: جاء حبش بزفنون في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر. وروينا من طريق سفيان الثوري أن عامر بن سعد البجلي رأى أبا مسعود البدري، وقرظة بن كعب وثابت بن يزيد وهم في عرس وعندهم غناء فقلت لهم: هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! فقالوا: أرخص لنا في الغناء في العرس، والبكاء على الميت من غير نوح، ليس فيه النهي عن الغناء في غير العرس، وعن محمد بن سيرين أن رجلا قدم المدينة

<<  <   >  >>