في المفتى الاجتهاد وهذا مفقود في زماننا فلا اقل من أن يشترط فيه معرفة المسائل بشروطها وقيودها التي كثيرا ما يسقطونها ولا يصرحون بها اعتمادا على فهم المتفقه وكذا لا بد له من معرفة عرف زمانه واحوال أهله والتخرج في ذلك على استاذ ماهر ولذا قال في آخر منية المفتى لو أن الرجل حفظ جميع كتب أصحابنا لابد أن يتلمذ للفتوى حتى يهتدى إليه لأن كثيرا من المسائل يجاب عنه على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة انتهى * وفى القنية ليس للمفتى ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف انتهى ونقله منها في خزانة الروايات وهذا صريح فيما قلنا من أن المفتى لا يفتى بخلاف عرف أهل زمانه * ويقرب منه ما نقله في الأشباه عن البزازية من أن المفتى يفتى بما يقع عنده من المصلحة وكتبت في رد المحتار في باب القسامة فيما لو ادعى الولى على رجل من غير أهل المحلة وشهد اثنان منهم عليه لم تقبل عنده وقالا تقبل الخ نقل السيد الحموى عن العلامة المقدسي أنه قال توقفت عن الفتوى بقول الإمام ومنعت من اشاعته لما يترتب عليه من الضرر العام فإن من عرفه من المتمردين يتجاسر على قتل النفس في المحلات الخالية من غير اهلها معتمدا على عدم قبول شهادتهم عليه حتى قلت ينبغي الفتوى على قولهما لا سيما والاحكام تختلف باختلاف الايام انتهى وقال في فتح القدير في باب ما يوجب القضاء والكفارة من كتاب الصوم عند قول الهداية ولو اكل لحما بين اسنانه لم يفطر وإن كان كثيرا يفطر وقال زفر يفطر في الوجهين انتهى ما نصه * والتحقيق أن المفتى في الوقايع لابد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر إلى صاحب الواقعة إن كان ممن يعاف طبعه ذلك اخذ بقول أبي يوسف وإن كان ممن لا اثر لذلك عنده اخذ بقول زفر انتهى (وفى) تصحيح العلامة قاسم * فإن قلت قد يحكون اقوالا من غير ترجيح وقد يختلفون في التصحيح قلت * يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف واحوال الناس وما هو إلا رفق بالناس وما ظهر عليه المتعامل وما قوى وجهه ولا يخلو الوجود من تميز هذا حقيقة لا ظنا بنفسه ويرجع من لم يميز إلى من يميز لبرائة ذمته انتهى (فهذا) كله صريح فيما قلناه من العمل بالعرف ما لم يخالف الشريعة كالمكس والربا ونحو ذلك فلا بد للمفتى والقاضي بل والمجتهد من معرفة احوال الناس وقد قالوا ومن جهل باهل زمانه فهو جاهل وقدمنا انهم قالوا يفتى بقول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لكونه جرب الوقايع وعرف احوال الناس * وفى البحر عن مناقب الإمام محمد للكردرى كان محمد يذهب إلى الصباغين