للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجوز للمعذور تقليده في هذا القول عند الضرورة فإن فيه توسعة عظيمة لاهل الاعذار كما بينته في رسالتي المسماة الأحكام المخصصة بكى الحمصة وقد كنت ابتليت مدة بكي الحمصة ولم أجد ما تصح به صلاتى على مذهبنا بلا مشقة إلا على هذا القول لأن الخارج منه وإن كان قليلا لكنه لو ترك يسيل وهو نجس وناقض للطهارة على القول المشهور خلافا لما قاله بعضهم كما قد بينته في الرسالة المذكورة ولا يصير به صاحب عذر لأنَّه يمكن دفع العذر بالغسل والربط بنحو جلدة مانعة للسيلان عند كل صلاة كما كنت افعله ولكن فيه مشقة وحرج عظيم فاضطررت إلى تقليد هذا القول ثم لما عافاني الله تعالى منه اعدت صلاة تلك المدة ولله تعالى الحمد. وقد ذكر صاحب البحر في الحيض في بحث ألوان الدماء اقوالا ضعيفة ثم قال وفى المعراج عن فخر الأئمة لو افتى مفت بشيء من هذه الأقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا انتهى * وبه علم أن المضطر له العمل بذلك لنفسه كما قلنا وإن المفتى له الافتاء به للمضطر فما مر من أنه ليس له العمل بالضعيف ولا الافتاء به محمول على غير موضع الضرورة كما علمته من مجموع ما قررناه والله تعالى أعلم * وينبغى أن يلحق بالضرورة أيضًا ما قدمناه من أنه لا يفتي بكفر مسلم في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فقد عدلوا عن الافتاء بالصحيح لأن الكفر شيء عظيم وفي شرح الاشباء للبيرى هل يجوز للإنسان العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه نعم إذا كان له رأى اما إذا كان عاميا فلم اره لكن مقتضي تقييده بذي الرأى أنه لا يجوز للعامى ذلك قال في خزانة الروايات العالم الذي يعرف معنى النصوص والاخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه انتهى وتقييده بذى الرأى أي المجتهد في المذهب مخرج للعامى كما قال فإنه يلزمه اتباع ما صححوا لكن في غير موضع الضرورة كما علمته آنفا (فإن قلت) هذا مخالف لما قدمته سابقا من أن المفتى المجتهد ليس له العدول عما اتفق عليه أبو حنيفة وأصحابه فليس له الافتاء به وإن كان مجتهدا متقنا لأنهم عرفوا الادلة وميزوا بين ما صح وثبت وبين غيره ولا يبلغ اجتهاده اجتهادهم كما قدمناه عن الخانية وغيرها (قلت) ذاك في حق من يفتى غيره ولعل وجهه أنه لما علم أن اجتهادهم اقوى ليس له أن يبنى مسائل العامة على اجتهاده الاضعف أو لأن السائل إنما جاء يستفتيه عن مذهب الإمام الذى قلده ذلك المفتى فعليه أن يفتى بالمذهب الذى جاء المستفتى يستفتيه عنه * ولذا ذكر العلامة قاسم في فتاويه أنه سئل عن واقف شرط لنفسه التغيير والتبديل فصير الوقف لزوجته فأجاب انى لم اقف على اعتبار هذا في شيء من كتب علمائنا وليس للمفتى إلا نقل ماصح عند أهل مذهبه الذين يفتي بقولهم ولأن المستفتى

<<  <  ج: ص:  >  >>