للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكرت أيضًا أن الناس اليوم لا يدفعون المال إلا في مقابلة ذلك العمل وعلى ظن وصول ثوابه إليهم لا على أنه تبرع وصلة لذلك العامل سواء عمل أو لم يعمل وقد صرح أئمتنا وغيرهم بان القارئ للدنيا لا ثواب له والآخذ والمعطى آثمان، وقال الخطيب الشربينى وقد اختار الغزالي فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوى اعتبار الباعث على العمل فإن كان القصد الدنيوى هو الاغلب لم يكن فيه اجر وان كان القصد الديني اغلب فله بقدره وإن تساويا تساقطا واختار ابن عبد السلام أنه لا اجر فيه مطلقا انتهى وكلام الغزالى هو الظاهر انتهى (وهذا) إذا شرك فكيف إذا أخلص الأمر الدنيوى كمن اتخذ القرآن والذكر دكانه يتعيش منها ولولا الدراهم التى تدفع له بمقابلة ذلك لم يتعب نفسه في ذلك ولم يسهر له جفنا ولترك ذلك بالكلية واتخذ له حرفة غيره يتعيش منها فاذن لا اجر له سوى ما نواه، كما نطق به الحديث الصحيح كما قدمناه، وإذا كان لا ثواب له في قراءته وذكره فأى شيء يهديه إلى روح الذين لم يدفعوا له هذا المال إلا في مقابلة ثواب هذه القراءة والذكر ولو علموا أنه لا ثواب له ولا لهم لم يدفعوا له فلسا واحدا وإذا لم تحصل لهم تلك المنفعة أو بطلت الإجارة والوصية فأى وجد تحصل القربة ويأخذ المدفوع إليه ذلك في مذهب من المذاهب (مع) أن أهل عصرنا يعدون ذلك من أعظم القرب، ويقدمونه على ما قد وجب فكثير منهم لم يخرج عن زكاة ماله من دينار ولا درهم، ولم يحج مع القدرة إلى بيت الله المحرم، مع ما في ذمته من كفارات، واضاح ومنذورات، وما عليه من مظالم العباد والتبعات، وتراه يهتم بهذه الوصايا المذكورة، ولا يلقى بالا إلى هذه المهمات المزبورة، ولا يوصى بدرهم لمحاويج قرابته، ولا لفقراء جيرانه واهل محلته، مع أن الصدقة على غيرهم مع وجودهم غير محمودة، بل صرحت صحاح الأحاديث بانها مردودة، ولا يوصى بعتق رقبة تعتق بها رقبته من النار، أو بناء مسجد او سبيل أو عمارة طريق أو رفع منار، أو بأسعاف فقيره او فك أسير، أو تجهيز غاز أو شراء مصحف أو تخليص غارم، او نحو ذلك مما اجمعوا على طلبه ووصول ثوابه الدائم، (قلت) لا يستهجن ذلك على هذا الزمن، الذى هو زمن الفتن والمحن * وظهور الفسوق والخيانة، وقلة الامانة والديانة، فقد صار فيه المعروف منكرا والمنكر معروفا، وقل أن ترى أحدا إلا وقلبه عن قبول الحق مصروفا، نسأل الله تعالى فيه الثبات على الدين، والعصمة عن الزيغ حتى يأتينا اليقين، فإن ما ذكرته قليل في جانب قبائحه، وفظيع فضائحه، ولعل سبب هذه القضية،

<<  <   >  >>