الوجه الرابع الذي زاده المفتى أبو السعود هو بمعنى الوجه الأول والفرق بينهما هو أنه على الأول انما طلب ان لا يسهل لغيره مطلقا لانه انما كان من بيت النبوة والملك وكان زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ومعجزة كل نبي من جنس ما اشتهر في عصره كما غلب في عهد الكليم السحر فجاءهم بتلقف ما اتوا به وفى عهد المسيح الحكمة والطب فجاءهم باحياء الموتى وفى عهد خاتم الرسل صلى الله تعالى عليه وسلم الفصاحة فجاءهم بما عجزهم عن معارضة اقصر سوره فطلب سليمان ذلك لاعجاز أهل عصره ليطيعوه إلى دعوة الإيمان لا طلبا للمفاخرة بأمور الدنيا كما زعمه بعض الملحدين وعلى الوجه الرابع انما طلب عدم تسهله لغيره من عدم محافظته على حدوده لكن على هذا الوجه يتعين كون المراد من قوله من بعدى لغيرى في حياته وبعد موتى اما على الوجه الأول فلا لان اعجاز أهل عصره لا ينافي تسهل مثله لمن بعد موته نعم إذا لم يتسهل من بعد موته يكون ابلغ في الاعجاز كما في اعجاز القرآن، هذا ما ظهر لى (ثم) لا يخفى ان ملك سليمان ﵇ الذي طلبه لم يكن خصوص ربط العفاريت بل ذلك من بعض جزئياته المشار إليه بقوله تعالى (وآخرين مقرنين في الاصفاد) ولا شك ان تصرفه في الجن والشياطين بما أراد لم يقع لغيره. واما تسخير بعض امور خاصة فهو امر ممكن ليس فيه مشاركة لسليمان ﵇ في ملكه الذي هو اعم واشمل من ذلك بيقين ولذا أخذ نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك العفريت كما قال فامكننى الله تعالى منه فأخذته فإن اخذه له تصرف في الجن بنوع ما فلو كان ذلك مشاكة لسليمان لما اخذه. واما قوله فأردت ان اربطه الخ ففيه دليل على انه كان قادرا على ذلك كما قدمناه وانه امر ممكن جائز ولكن تركه تأديا لدعوة سليمان ﵇ كما قال ﵊ لا تفضلونى على يونس بن متى مع انه صلى الله تعالى عليه وسلم افضل الخلائق اجمعين ولو كان ذلك منازعة لسليمان في ملكه المختص به لما قصده صلى الله تعالى عليه وسلم فعلم ان وقوع ذلك جائز لا ينافي الاختصاص ما هو اعم منه إلا ترى ان حضرة مولانا السلطان اعزه الله تعالى قد اختص ما خصه الله تعالى من الملك العظيم والتصرف التام في مملكته ومع هذا لا ينافى وقوع التصرف لبعض رعيته في بعض ما حولهم الله تعالى لانهم وإن كان لهم قدرة التصرف في شيء من ذلك لكن تصرف حضرة السلطان اعم واشمل فلا ينافي اختصاصه بالتصرف في الكل. وح فلا منافاة بين ما في الآية والحديث (وقد) ظهر لك بما قررناه وحررناه ان الآية