النهي من غير ضرورة، فإن الانتهاء يحصل بالاشتغال بواحد منها فلا يحتاج إلى الاشتغال بالآخر، فكذلك لا يكون مأمورًا بالكل وفي كونه مأمورًا بواحد منها يلزم ترجيح أحد المتساويين من غير مرجح فلا يصلح ذلك أيضًا.
وقال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله-: وقول من يقول بأن مثل هذا النهي يكون أمرًا بأضداده يؤدي إلى القول بأن لا يتصور من العبد فعل مباح أو مندوب إليه، فإن المنهي عنه محرم أضداده واجب بالأمر الثابت بمقتضى النهي، فيكون يتصور منه فعل مباح أو مندوب إليه.
ألا ترى أن من قال لآخر: لا تأكل أمرًا بقوله: اترك الأكل، قوله: اترك الأكل أمر فيوجب عليه ما يحصل به ترك الأكل من القراءة والتكلم والمضمضة والذهاب والبول والتغوط والجماع وغيرها، فإن بكل منها يحصل ترك الأكل على الكمال، والأمر بالشيء طلب لتحصيل المأمور به على أبلغ الجهات فلا يبقى فعل مباح، وفي اتفاق العلماء على أن أقسام الأفعال التي يأتي بها العبد عن قصد أربعة: واجب ومندوب إليه، ومباح ومحظور- دليل على فساد قول هذا القائل.