الشُبْهَةُ الأوْلَى: ما رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ كان يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ؛ فَجَاءَهُ النَّبِيُّ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فهَرَبَ وتَوَارَى مِنْهُ، فَجَاءَ لَهُ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً بَيْنَ كَتِفَيْهِ؛ ثمَّ قَالَ:«اذْهَبْ فادْعُ لي مُعَاوِيَةَ» قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يأكُلْ. ثمَّ قَالَ:«اذْهَبْ فادْعُ لي مُعَاوِيَةَ» قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يأكُلْ؛ فَقَالَ:«لا أشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ»(١) مُسْلِمٌ.
* * *
قُلْتُ: لا نَقْصَ على مُعَاوِيَةَ بِهَذا الحَدِيْثِ لأمُوْرٍ، مِنْهَا:
الأوَّلُ: لَيْسَ فِيْهِ أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمُعَاوِيَةِ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوْكَ فَتَبَطَّأ، وإنَّمَا يَحْتَمِلُ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لمَّا رَآهُ يَأْكُلُ اسْتَحْيَ أنْ يَدْعُوَهُ فَجَاءَ وأخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّهُ يَأْكُلُ، وكَذَا في المَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
الثَّاني: فَيَحْتَمِلُ أنَّ هذا الدُّعَاءَ جَرَى على لِسَانِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَمَا قَالَ لِبَعْضِ أصْحَابِهِ:«تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ»، ولِبَعْضِ أمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ:«عَقْرَى حَلْقَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الألْفَاظِ الَّتِي تَجْرِي على ألْسِنَتِهِم بِطَرِيْقِ العَادَةِ مِنْ غَيْرِ أنْ يقْصِدُوا حَقِيْقَتَها.