ولمَّا رَجَعَ أُوْلَئِكَ النَّفَرُ إلى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وأخْبَرُوهُ بِجَوَابِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَهُم، وأنَّهُ لَنْ يُبَايِعَ حَتَّى يَقْتُلَ القَتَلَةَ، أو يُسْلِمَهُم، عِنْدَ ذَلِكَ نَشَبَتِ الحَرْبُ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ ...
فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَ أهْلُ الشَّامِ المَصَاحِفَ فَوْقَ الرِّمَاحِ، وقالُوا: هذا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ، قَدْ فَنَى النَّاسُ فَمَنْ لِثُغُورِ أهْلِ الشَّامِ بَعْدَ أهْلِ الشَّامِ؟ ومَنْ لِثُغُوْرِ العِرَاقِ بَعْدَ أهْلِ العِرَاقِ؟ فَلَمَّا رَأَىَ النَّاسُ المَصَاحِفَ قَدْ رُفِعَتْ قالُوا: نُجِيْبُ إلى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ونُنِيْبُ إلَيْهِ» (١)، ولمَّا رُفِعَتِ المَصَاحِفُ فَوْقَ الرِّمَاحِ تَوَقَّفَتِ الحَرْبُ ... فَتَمَّ الاتِّفَاقُ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ على التَّحْكِيْمِ بَعْدَ انتِهَاءِ مَوْقِعَةِ صِفِّيْنَ، وهو أنْ يُحَكِّمَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلاً مِنْ جِهَتِهِ، ثمَّ يَتَّفِقَ الحَكَمَانِ على مَا فِيْهِ مَصْلَحَةُ المُسْلِمِيْنَ، فَوَكَّلَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بنَ العَاصِ، ووكَّلَ عَلِيٌّ أبا مُوْسَى الأشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جَمِيْعًا، ثمَّ أخَذَ الحَكَمَانِ مِنْ عَلِيٍّ ومُعَاوِيَةَ ومِنَ الجُنْدَيْنِ العُهُوْدَ والمَوَاثِيْقَ أنَّهُمَا آمِنَانِ على أنْفُسِهِمَا وأهْلِهِمَا، والأمَّةُ لَهُمَا أنْصَارٌ على الَّذِي يَتَقَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وعلى المُؤْمِنِيْنِ والمُسْلِمِيْنَ مِنَ الطَائِفَتَيْنِ كِلَيْهِمَا عَهْدُ اللهِ، ومِيْثَاقُهُ
(١) انظر «تَارِيْخَ الأُمَمِ والمُلُوْكِ» لابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ (٤/ ٥٧٤ - ٥٧٥)، و «الكَامِلَ» لابنِ الأثِيْرِ (٣/ ٢٨٦ - ٢٨٧)، و «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (٧/ ٢٨٠ - ٢٨١)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute