للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع، ولا مشعوف، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله، فصدقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قِبَلَ النار، فينظر إليها، يحطم بعضها بعضا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله تعالى! ثم يفرج له فرجة قِبَلَ الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك! ويقال له: على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله؛ ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفا! فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري! فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلته! فيفرج له فرجة قِبَلَ الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك! ثم يفرج له فرجة إلى النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا! فيقال: هذا مقعدك! على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله!) (١)

فالوجود البرزخي إذن هو وجود نفساني واع، وإنما البدن في الإنسان لباس طيني فان!

ومن هنا فإنما خاطب الخالق جل وعلا الإنسان باعتباره (نفسا) على سبيل الاشتراك. أي بلا تمييز جنسي في الأصل. سواء كان الخطاب متعلقا بالتكوين أو كان متعلقا بالتكليف. قال تعالى مثلا: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (يوسف:٥٣). وقال سبحانه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر:٢٧ - ٣٠) وقال أيضا: {وَاتَّقُوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (البقرة:٤٨) وقال أيضا: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة: ٢٣٣) وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا


(١) رواه ابن ماجه. وصححه الألباني. انظر حديث رقم: ١٩٦٨ في صحيح الجامع.

<<  <   >  >>