فتدبر هذا الخطاب الرهيب، والوعيد الشديد في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(العنوهن فإنهن ملعونات!) ما كان ليكون ذلك كذلك؛ لو لم يكن التعري خطيئة من أبشع الخطايا، وأخسها! ولو لم يكن مسخا للفطرة الإنسانية، وتغييرا لخلق الله في السلوك النفسي والاجتماعي! إنه سيمياء الشيطان!
فالسِّتْرَ السِّتْرَ بنيتي! فإنه سيماء الرحمن! قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله تعالى حَيِيٌ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر!)(١)
والخلاصة في هذه المسألة أنه يمكنك القول: إن هيأة المسلم في لباسه ومظهره -رجلا كان أو امرأة- هي عبارة عن صلاة! بكل ما تحمله كلمة (صلاة) من معاني السير إلى الله خضوعا وخشوعا.
إن سيماء الصورة في الإسلام لغة كاملة؛ لغة من لغات الصلاة المودعة في أسرار هذا الملكوت! إنها تعبير عن منطق الطير، وصحف إبراهيم، وألواح موسى، ومزامير داود وإنجيل عيسى، وآيات هذا الكتاب العظيم، الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. ذلك الدين الواحد، ضل عنه المحرفون الذين بدلوا، وغيروا خلق الله، ونبذوا ستر الله، وانحازوا لعري إبليس! فهدى الله المسلمين إلى جمال الستر. ولكن أكثرهم اليوم - مع الأسف - لا يعقلون!
[المبحث الثاني: التأصيل الفقهي لسيماء الصورة في الإسلام]
ونظرا لعمق الدلالة السيميائية للباس المرأة في الإسلام، وارتباطه بماهيتها الإنسانية كما بينا؛ فقد جاء تشريع أحكامه فريضة في القرآن نفسه. ولم يترك ذلك لتشريع السنة فقط، أو تشريع الاجتهاد فقط، على الرغم مما للسنة ثم
(١) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني. انظر حديث رقم: ١٧٥٦ في صحيح الجامع.