وعليه؛ فإنه لا يترك للسنة من التشريع إلا ما كان بمنزلة الفروع والجزئيات، لا الأصول والكليات. فإذا وجدت من السنة ما هو كذلك ـ ولم يكن بيانا تطبيقيا ولا تفصيليا ـ فإنك تجده من قبيل تأكيد التشريع لا تأسيس التشريع! فلا حكم من الكليات التشريعية إلا وتجد في كتاب الله أصله الأول. دل على ذلك الاستقراء التام لأصول الشريعة وفروعها. وذلك كأحاديث إيجاب الصلاة والزكاة والصيام والحج بالسنة، فإنما هو من قبيل التأكيد، لا التأسيس.
وأما ما تفردت السنة بتشريعه تأسيسا، من الواجبات والمحرمات، فإنه لا يكون من الأصول والكليات، وإنما هو من الفروع والجزئيات، بالنسبة إلى ما ورد في القرآن من التشريع. كأحاديث النهي عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وذوات السموم، ونحو ذلك.
إذن؛ فالأصل في المقصود أصالة من الشريعة أن يكون منصوصا عليه في الكتاب. وهذه هي المرتبة الأولى من التشريع. وذلك حق أمهات الفضائل وأمهات الرذائل، من الواجبات والمحرمات جميعا. وإنما للسنة المرتبة الثانية، فما اقتصر على تشريعه فيها -ولم يكن من قبيل البيان والتفصيل- كان إيجابه أو تحريمه بها من الدرجة الثانية، بالنسبة إلى ما أوجبه الله أو حرمه بالقرآن. ومن أخطأ هذه القاعدة الأصولية الجليلة فاته كثير من فقه الدين!) (١)
في هذا السياق إذن يأتي حكم لباس المرأة في القرآن. ويصدر الرحمن أمره العظيم إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، في سورتين اثنتين من القرآن، فيقول جل وعلا في سورة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الأحزاب:٥٩).