الشَّافعي. ثُمَّ دخل بغداد، وصَحِب بها طوائف من الفقهاء، وحجَّ واجتمع بمكة بجماعة منهم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض خوانقها، وخالط طوائف الفقهاء، ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطوائف المُحدثة.
ثُمَّ قدم دمشق، فرأى الشَّيخ تقي الدِّين ابن تيمية وصاحبه، فدلّه على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على "سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام"، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسُّنة والآثار، وتخلى من جميع طرائقه وأحواله، وأذواقه وسلوكه، واقتفى آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وطرائقه المأثورة عنه في كتب السُّنن والآثار، واعتنى بأمر السُّنَّة أُصولًا وفروعًا، وشرع في الرد على طوائف المُبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبين عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإِمام أحمد. وبلغني: أنه كان يقرأ في "الكافي" على الشَّيخ مجد الدِّين الحراني، واختصره في مجلد سماه "البُلغة" وألف تآليف كثيرة في الطريقة النبوية، والسلوك الأثري والفقر المُحمدي، وهي من أنفع كتب الصوفية للمريدين، انتفع بها خلق من متصوفة أهل الحديث ومتعبديها.
وكان الشَّيخ تقي الدِّين ابن تيمية يعظمه ويجله، ويقول عنه: هو جُنيد وقته. وكتب إليه كتابًا من مصر أوله:"إِلى شيخنا الإِمام العارف القدوة السالك".