الزهد في الدنيا والإِقبال على الآخرة، وأراد الله عزَّ وجلّ بعلمه وعمله وسائر سعاياته الظاهرة والباطنة، وبالله المستعان.
[فصل]
ومن وفّقه الله عزَّ وجلّ لحفظ فرجه في صباه اجتمع قلبُه وتوفرت جمعيَّتُه وتَنَوّر سره، وصار سِرُّه وعاءً للعلم والحكمة والحال.
ومن حفظ فرجه في صباه أورثه الله الحكمة في كهوليتهِ والأمانة في شيخوخيّته على قدر استعداده، ورزقه الله عزَّ وجلّ الحياء، وماءَ الوجه والسكينة والوقار، وأورثه المحبة من قلوب المؤمنين.
ومن لم يحفظ فرجه في صباه تغيّرت فطرته، وتنكد قلبه، وانعكس وانتكس، وصار قلبه مقلوبًا، يظهر ذلك في سيماه بقسوة قلبه، وخُبْث سريرته، وتفرق بذلك جمعيته، فلا يألف العلمَ ولا الحكمة، ولا يألف الأولياء ولا الصالحين، ويصيرُ قلبه مأوى الشياطين، ويبقى مَثَله كمثل الجيفة الملقاة التي تدخل الهوام في أعضائها وعيونها ومناخرها.
والخيّر مثله كمثل الطير في جوّ السماء لا يناله من أراد صيدَه، وما أحسن حال من سَلِمَ من النَّاس، وسَلِمَ الناس منه فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومثلُ هذا يترشَّحُ لولاية الله عزَّ وجلّ؛ لأن من بذل فرجه أوشك أن لا يتخذه الله وليًّا؛ لأنه ضيّع أمانة الله وخان فيما استودَعَهُ فلا يكون مثله مأمونًا على الأسرار إلا أن يقلع عن ذلك إقلاعًا تامًّا فيرجى للتائب المنيب كل خير إن شاء الله تعالى،