وإنما يأتي الغلط هنا من قباس الغائب على الشاهد، فيعمد أنَّ الروح من جنس ما يُعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانًا لم يمكن أن تكون في غيره، وهذا غلط محض. وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإِسراء موسى قائمًا يصلِّي في قبره ويرد على من يسلِّم عليه وهو في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الروح غير شأن الأبدان. وقد مثَّل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض، وإن كان غير تام المطابقة من حيث أنَّ الشعاع إنما هو عَرَض للشمس وأما الروح فهي نفسها تنزل. وكذلك رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنبياء ليلة الإِسراء في السماوات، الصحيح أنه رأى فيها الأرواح في مثال الأجساد مع ورود أنهم أحياء في قبورهم يصلُّون. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن صلَّى عليَّ عند قبري سمعته ومن صلَّى عليَّ نائيًا بلغته"، وقال: "إن الله وكَّل بقبري ملكًا أعطاه أسماع الخلائق فلا يصلِّي عليَّ أحدٌ إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه". هذا مع القطع بأنَّ روحه في أعلى علِّيِّين مع أرواح الأنبياء وهو الرفيق الأعلى.