وقال رحمه الله: وحفظت "التنبيه" في أربعة أشهر ونصف، وبقية "المهذب" في باقي السَّنة قال: فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججتُ مع والدي، وكانت الوقفة بالجمعة، وكانت رحلتنا من أول رجب فأقمت بمدينة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من شهر ونصف.
قال والده: ولما توجهنا للرحيل من نوى أخذَتْهُ الحُمَّى إلى يوم عرفة ولم يتأوَّه قط، فلما عدنا إلى نوى ونزل إلى دمشق صُبَّ عليه العلم صبًّا (١).
قال الشيخ رحمه الله: ومرضت بالمدرسة الرَّواحية، فبينا أنا في بعض الليالي في الصفة الشرقية منها ووالدي وإخواني وجماعة من أقاربي نائمون إلى جنبي إذ نشَّطني الله تعالى وعافاني من ألمي، فاشتاقت نفسي إلى الذكر، فجعلت أسبِّح، فبينا أنا كذلك بين السر والجهر إذ بشيخ حسن الصورة جميل المنظر يتوضَّأ على حافة البركة وقت نصف الليل أو قريب منه، فلما فرغ من وضوئه أتاني وقال: يا ولدي، لا تذكر الله فتشوش على والدك وإخوانك ومن في المدرسة، فقلت له: يا شيخ، من أنت؟ فقال: أنا ناصح للشارعين، فوقع في نفسي أنَّه إبليس، فقلتُ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ورفعت صوتي بالتسبيح، فأعرض عنَّي ومشى إلى ناحية باب المدرسة، فتبعته فوجدته مقفلًا وفتشتها فلم أجد فيها أحدًا غير من كان فيها، فقال والدي: ما خبرك؟ فأخبرته، فجعلوا