واجتمع بي حينئذٍ، وذاكر بإنصاتٍ وتؤدة وكمالِ معرفة في الفن. ولم يَصفُ له الوقت؛ فتوجَّه إلى الصعيد، فمكث في نواحي جُرجا مُدَّةً، وقرأ عليه هناك بعض الأفراد في أشياء.
ثُمَّ ورد علينا وبات عندي ليلة، وكنتُ في صباحها مُتوجِّهًا إلى الصَّعيد، وعزمتُ عليه أن يُسافر معي فأبى؛ لأنه جاء من الصعيد، فلمَّا رآني مُستوفزًا للسَّفر استحسن أن يتوجَّه إلى بيت المقدس، فكتبتُ له مراسلات إلى دمياط وإلى يافا وبيت المقدس بإكرامه، وتوجَّهتُ أنا للصَّعيد وتوجَّه هو لبيت المقدس فأُكْرِمَ بها، وأَحبَّه أهل بلده فزوَّجوه، ثُمَّ أتى إلينا مصر واجتمعت حواشه في الجملة، وتردَّد إلى كثيرًا، واستعار مني للمطالعة ما احتاج إليه من كتب الفنّ، واطلع على "شرحي على القاموس"، واغتبط به للغاية.
ثُمَّ ذهب إلى نابلس واجتمع بشيخنا السَّفاريني فَسَمِعَ عليه أشياء، وكنتُ قد استجزتُ له منه سابقًا في استدعاء منه، فأجازه فيه فأحبَّه شيخنا المشار إليه، ومدح وأثنى لا سيَّما وكان المترجَم قد أَتقن معتقد الحنابلة، فكان يلقيه لهم بأحسن تقرير مع التأييد، ودفع ما يرد على أقوالهم من الإِشكالات بحسن بيان، والبلد أكثر أهله حنابلة، فرفعوا بشأنه ونوَّهوه وعَظُمَ عندهم مقداره. وفي سنة ١١٩٠ هـ سَمِعَ منه بعض الفُضلاء الأَوليَّة والصَّحيح وأشياء بإرشادي لهم.
ثُمَّ ورد مصر وحصل به الاجتماع وسَمِعَ منِّي حينئذٍ أشياء، منها في سنة ١١٩١ هـ: أوائل الكتب السِّتَّة، وحديث "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" إملاءً لسنده، وقصيدة الأندلسي على