أدلوا بآرائهم في كثير من المشكلات، وكان يدفعهم إلى وجه الصواب من الخصومات ما غرس في طباع الناس من حب العدل والميل إليه، بالإضافة إلى ما اقتبسوه من النصرانية واليهودية آنذاك.
ومما ينكر أن العرب كانوا على جانب عظيم من الفوضى والاضطراب، حتى جاء الإسلام بنوره ومهّد لإقامة الوحدة القومية، فانهدم سلطان العادات، وقام الدين ينظم العلاقات البشرية، ويكمل ما قصرت العادات دونه، ويفي بحاجات المدينة الناشئة المتجددة؛ لذلك كان العهد الذي ظهر فيه الإسلام عهد انقلاب للحياة العربية الأخلاقية والاجتماعية، وعهد إصلاح للتقاليد والقوانين، فأبطل وأد البنات، وحرّم الربا، وبيع الغرر، وحرم زواج المقت والمتعة وطلاق الظهار ... إلخ.
وامتدت حركة الإصلاح؛ لتضع للمجتمع الجديد الحدود والجزاءات للجرائم الخطيرة الني تهدد المجتمع بالفناء؛ كالزنا، والسرقة والقتل ... إلخ.
وقد أقر الإسلام بعض التقاليد الجاهلية التي لا تتعارض معه؛ كإقرار نظام القسامة، وميراث الولاء؛ كذلك إكرام الضيف، ونصر المظلوم وصلة الرحم.
منابعُ التَّشْرِيع الإِسْلاَمِيّ
رسمت الشريعة الإسلامية لبعض أحكامها العملية بالدلائل الصريحة، ورسمت لبقيتها مناهج يهتدي بها المجتهد، وينحصر ما يتمسك به المستدل للحكم في نوعين:
١ - ما يدل بنفسه، وهو القرآن الكريم، والحديث الشريف، والقياس.
٢ - ما يتضمنه الدليل ويستلزمه، وهو الإجماع.
وإنما كان كذلك؛ لأنه لا ينعقد على حكم حادثة إلا إذا قام له دليل ثابت ومستند صحيح.
قال في "كشف الأسرار" للبزدوي: "اعلم أن أصول الشرائع ثلاثة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والأصل الرابع: القياس بمعنى الاستنباط من هذ ٥ الأصول".
سبب انحصار المصادر على هذ ٥ الأربعة:
إن الحكم إما أن يثبت بالوحي، أو بغيره، والأوّل إما أن يكون متلواً وهو الذي تعلق بنظمه الإعجاز، وجواز الصلاة، وحرمة القراءة على الحائض والجنب، أو لم يكن، والأول هو الكتاب، والثاني هو السُّنة، وإن ثبت بغيره فهو إما أن يثبت بالرأي الصحيح أو بغيره، والأول إن كان رأى الجمع فهو الإجماع، وإن لم يكن فهو القياس، والثاني الاستدلالات الفاسدة.