روي عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا بيع حاضر لباد؛ دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
صورته: أن أهل البادية كانوا يحملون إلى البلد متاع البادية من الصوف والأقط ونحوها؛ يبيعونها بسعر اليوم؛ ليرجعوا إلى البادية على سرعة؛ لما عليهم من المؤنة في المقام بالبلد، وكان من ذلك رفق وسعة لأهل البلدة.
وكان الرجل من أهل البلد يأتي البدوي، ويقول: ضع متاعك عندي؛ حتى أبيعه لك على مر الأيام بأغلى وارجع أنت إلى باديتك.
فليس للبلدي أن يفعل ذلك؛ لما فيه من قطع رفق أهل البلد؛ فإن فعل وهو عالم بالحديث، يعصي الله - تعالى - وإن لم يكن عالماً به لا يعصي.
ولو فعل، وباع للبدوي، صح البيع؛ لأن النهي ليس في العقد؛ كالبيع في وقت الشراء. هذا إذا عرض البلدي عليه ذلك، فأما إذا التمس ذلك منه رب المال، وأراد رب المتاع أن يقيمه بالبلد، ويبيعه على مر الأيام؛ فعرض البدوي نفسه عليه، والتمس تفويضه إليه - فهو مأجور عليه، غير مأثوم.
وإنما يحرم في الصورة الأولى إذا كان يظهر من متاعه سعة لأهل البلد. فإن كان لا يظهر منه سعة لكبر البلد، وقلة ذلك المتاع، أو كان السعر رخيصاً، ومثل ذلك المتاع عام الوجود - فهل يجوز للبلدي أن يبيع له ذلك؟