١ - لقد جمعت الشريعة الإسلامية بنظمها وقوانينها في مدة قصيرة، ولم ينتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الدار الآخرة حتى كانت أصولها تامّة، ولم يمض على الأمة قرن ونصف حتى ألفت تآليف هامة في فروعها وبسط أحكامها، وهذا ما لم يكن للأمم قبلنا، مع العلم أن النظم الرومانية لم تنضج إلا على عهد القيصر "جوستنيان" عام ٥٦٥، أي بعد مضي ثلاثة عشر قرناً من حياة الرومان؛ وذلك يدل دلالة قاطعة على مكانة الشريعة الإسلامية وأنها بوحي سماوي.
٢ - من الناحية التاريخية يتضح لنا أنه لم يكن ثَمَّ اتصال بين العرب في شبه الجزيرة العربية، وبين أهل تلك البلاد "الشام" إلا في أحوال قليلة جداً، كالتجارة مثلاً، فلا يعقل أن يكون المسلمون قبل اتساع فتوحاتهم قد أخذوا من فقه هؤلاء الرومان، على أن هذه القاعدة قد تقررت في الدين الإسلامي قبل أن تمتد الفتوحات الإسلامية إلى الشام، ويتهيأ للمسلمين أن يطلعوا على النظم الرومانية.
٣ - الاتفاق في بعض الأحكام واتحاد بعض النصوص في كلا القانونين لا ينهض دليلاً للحكم بأن القانون الإسلامي اقتبس من الروماني، فالعقل كثيراً ما يهتدي إلى أحكام تتفق مع ما ينزل من السماء من شريعة وقانون، فمثلاً قد اهتدى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أحكام في بعض ما عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حوادث، وقد نزل القرآن موافقاً لما حكم به ابن الخطاب، فهل يقال - من أجل هذا التوافق -: إن الإسلام قلد عمر في رأيه؟
أقْسَامُ المَشْرُوعَاتِ الإِسْلاَمِيّة
يلاحظ الناظر إلى المشروعات الإسلامية أنها تنقسم إلى قسمين:
١ - أحكام أصلية، وبكون المقصود منها الاعتقاد.
٢ - أحكام فرعية، ويكون المقصود منها العمل.
ومعلوم أن الأحكام الاعتقادية متعلقة بذات الله - تعالى - وأسمائه وصفاته، وبالرسل، والكتب، واليوم الآخر؛ وهذا ما يطلق عليه "علم التوحيد".
والأحكام العملية هي ما تتعلق بأفعال المكلفين، من وجوب، وحرمة، وندب، وكراهة ... إلخ.
والأحكام الأصلية ثلاثة أقسام:
١ - ما لا يمكن إثباته إلا بالدليل العقلي القاطع كوجود الله تعالى، وصدق الرسل في دعوى الرسالة؛ لأنه لا طريق إلى إثبات ذلك بالدليل النقلي وحده، ولا يؤثر ذلك في كونه