فإن قلنا: لا يصحُّ, فلو عفا المجنىُّ عليه عن حقه لا ينقلب الرَّهنُ صحيحًا؛ لأنه وَقَعَ فاسدًا.
وإن كانت الجنايةُ موجبةٌ للقصاص, فقد قيل: فيه قولان, كالموجبة للمال. وقيل: يصحُّ قولًا واحدًا؛ لأنه ليس فى الإستحقاق القتل, كرهن المرتدِّ, وقيل: ينبنى على أن مُوجِبَ العمدِ ماذا؟
وفيه قولان: إن قلنا: موجب العمد القَوَدُ, فيصح كرهن العَبدِ المرتدِّ, وإن قلنا: موجبه أحدُ الأمرين, فعلى قولين, كالجنايةِ الموجبة للمال.
فَصْلٌ
إذا رهن عَينًا بدين, ثم رهن بذلك الدين عينًا أُخرى- يجوز ولا يفتكُّ شئٌ منها إلا بعد أداء جميع الحقِّ؛ كما لو رهنها معًا.
وإذا رهن عينًا بدين, ثم استقرض من المرتهن مالًا آخر, وجعله مَرهونًا بِالحقّين جميعًا- نظر: إن تفاسخا الرهنَ الأول, ثم رَهنهُ بالحقَّين جميعًا- جاز.
وإن لم يتفاسخا, فقولان: قال فى القديم, وهو اختيار المُزنىِّ: يجوز؛ كما لو زادَ رهنًا آخرَ على دَينٍ واحد.
وقال فى الجديد, وهو الأصح؛ وبه قال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لأن الرهنَ مشغولٌ بدينٍ, فلا يجوز شغله بدينٍ آخر قبل فِكاكه؛ كما لو رَهنهُ من غير هذا المرتهن لا يجوزُ, وليس كما لو زاد فى الرهن؛ لأن الرهنَ لا يشغل الدينَ, بدليل أن تَصرُّفَ رَبِّ الدين ينفذ فى الدَّين بعد الرَّهن؛ كما لو كان ينفذ قبل الرَّهن, وتصرف الراهن لا ينفذ فى الرَّهن قبل أداءِ الدَّين.
فإن قلنا: لا يجُوز, فلو اختلفا, فقال الراهن: رَهنْتُ بألفٍ, ثم زدنا ألفًا أُخرى, وقال المرتهن: بل رهنت بألفين مَعًا.
فالقول قولُ المرتهن مع يمينه؛ لاتفاقهما على صِحَّةِ الرَّهن, ولو اتفقا على أنه كان مرهونًا بألف, غير أن المرتهنَ يقول: تفاسخنا العقد الأول فيه, وعقدنا بعده على ألفين.
فقال الراهن: بل زدنا ألفًا على العَقد الأول- فالقولُ قولُ الراهن مع يمينه؛ لأن الأصلَ عَدَمُ الفسخِ, وقيل: القولُ قولُ المرتهن؛ لأن الظاهر أن العقدَ الثانى لا يكون إلا بعد فسخ الأول, والأول أصحُّ, حتى لو شَهد شاهِدان أنه بألف ثم بألفين- فلا يحكم أنه رَهنٌ بألفين بعد فسخ الأول ما لم يُصرح الشُّهود أن الثانى كان بَعدَ فسخِ الأول.