وإن ادعى بنسب بالغ، فإن صدَّقه المقر له يثبت نسبه منه، وإن كذبه- لا يثبت، إلا أن يقيم المدعي على ذلك بينة، وإن لم يكن له بينة: فللمدعي تحليفه؛ لأنه لما سُمعت فيه البينة: ثبت فيه التحليف، فإن حلف سقط، وإن نكل حلف المدعي، ويثبت النسب، فإن كان المقر به معروف النسب من غيره، أو كان في سن: لا يتصور أن يكون ولداً للمدعي: لا تسمع دعوى المدعي، وإن ادعى نسب صغير أو مجنون مجهول النسب، وحكمتا بثبوته، فبلغ وأفاق، فأنكر: هل يُقبل إنكاره؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا يقبل؛ لأنا حكمنا بثبوت نسبه، فلا يرتفع بإنكاره؛ كما لو قامت بينة على نسبه.
والثاني: يُقبل؛ لأنا حكمنا له حين لم يكن له قول، والآن: صار من أهل أن يكون له قول، ولو ادعى نسبه في هذه الحالة، فأنكر: لم يكن يثبت.
ولو ادعى نسب ميت- نظر: إن كان الميت صغيراً أو مجنوناً: حكم بثبوت نسبه، وله ميراث، وإن كان الميت بالغاً- ففيه وجهان:
أصحهما: لا يثبت إلا ببينة؛ لأنه لو كان حياً لم يكن يثبت نسبه بمجرد دعواه لا بتصديقه، وتصديقه معدوم.
والثاني: يثبت؛ لأنه عجز بالموت عن التصديق، فصار كالصبي والمجنون، ولو أقر بنسب بالغ عاقل، ثم رجع عن الإقرار، وصدَّقه المقر به- فيه وجهان:
قال ابن أبي هريرة: يسقط النسب؛ كما لو أقر له بمال، ثم رجع وصدَّقه المقر له في الرجوع.
والثاني- وهو قول الشيخ أبي حامد-: لا يسقط؛ لأن النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه؛ كالنسب الثابت بالفراش.
ولو ادعى نسب عبد الغير، أو نسب معتقه- نظر: إن أقام عليه بينة: ثبت نسبه، سواء صدقه العبد أو كذبه، فهو رقيق لمولاه.
وإن لم يُقم بينة- نظر: إن كان العبد صغيراً: لا يحكم به؛ لما فيه من إبطال حق السيد من الإرث بالولاء، وإن كان بالغاً: فإن أنكر العبد: لم يثبت، وإن أقر: فعلى وجهين، هذا إذا ألحق النسب بنفسه، فإن ألحق بغيره؛ بأن قال: هذا أخي ابن أبي، أو ابن أمي: فلا يقبل إلا بعد موت الملحق به، ولا يثبت إلا بإقرار من يجوز جميع تركة الملحق به إرثاً بعد أن يكون المُقر به مجهول النسب، ويصدقه إن كان بالغاً؛ كما قلنا في الإلحاق بنفسه.