وقيل: يجوز أن يأخذ عليه العوض؛ كما يجب عليه إطعام المضطر، وله أخذ العوض عليه.
والأول المذهب؛ للحديث، ولأن الماء يخلف ما دام في منبعه؛ بخلاف الطعام؛ حتى لو كان الماء محرزاً في إناء، أو حوض: فلا يجب أن يسقي به الغير، إلا أن يكون مضطراً؛ فيجب عليه أن يسقيه، وله أخذ العوض عليه، فإذا كان لجماعة حق في ماء يسقون منه- نُظر: إن كان الماء في نهر عظيم غير مملوك مثل الفرات ودجلة وما أشبههما من الأودية: فلا ضيق فيه على الناس، فمن شاء أن يسقي منه متى شاء، له ذلك، وإن كان الماء في ساقية [أو نهر صغير- نظر: إن كانت الساقية غير مملوكة بأن كان الماء يجري من] نهر عظيم في ساقية، فأحيا الناس حولها: فالترتيب فيه: أن يسقي الأول زرعه حتى يبلغ الماء كعبين، ثم يرسله إلى الثاني، ثم إلى الثالث؛ لما روي عن عروة بن الزبير، قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للزبير:"اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله، إن كان ابن عمتك! فتلون وجهه، ثم قال:"اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك".
فإن احتاج الأول إلى الماء ثانياً قبل أن يصل الماء إلى الآخر: فله حبسه ثانياً، ولو كان قطعتا أرض، إحداهما أعلى لا يبلغ الماء فيها إلى الكعبين، حتى يبلغ في الأسفل إلى الوسط: فليس له أن يسقي كذلك، بل يسقي السفلى إلى الكعبين، ثم يسدها، فيسقي العالية إلى الكعبين.
ولو أراد رجل أن يحي مواتاً، ويجعل شربه من هذا النهر: لم يكن له ذلك، إن كان يضيق على أهل النهر، ويضرهم؛ لأنهم سبقوا إليه.
ومن ملك أرضاً بالإحياء: ملكها بمرافقها، والنهر من مرافق أراضيهم، فإن لم يضيق عليهم: جاز، وإن كانت الساقية مملوكة: فإن حفر واحد، أو جماعة في موات نهراً يدخله الماء من نهر عظيم: فتلك الساقية مملوكة لهم، والماء غير مملوك؛ لكنهم أحق به؛ لكونه في ملكهم؛ كالسيل: يدخل في ملك الغير، وليس لأحد أن يشق فيه نهراً، ولا أن يدلي فيه دلواً؛ لأنه ينتفع بحريم الغير، ولو تباعد عن الحريم، وألقى إليه الدلو؛ لم يجز؛ لأنه ينتفع بهواء الغير، ثم أهل ذلك النهر:
إن دخلوا في حفره على أن يتساووا: تساووا في الإنفاق، وإن دخلوا على أن يتفاضلوا