٣ - في نزول القرآن منجماً رحمة بالعبادة؛ لأنهم كانوا قبل الإسلام في إباحية مطلقة وحرية لا حدود لها، فلو نزل عليهم القرآن دفعة واحدة لثقلت عليهم التكاليف، ونفرت قلوبهم عن اتباع الحق والإذعان له.
أخرج البخاري عن السيدة عائشة أنها قالت:"إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أوّل شيء لا تشربوا الخمر، لقوال: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا".
الآيَاتُ المكّيَّةُ والمَدَنِيَّةُ
يقال للآيات التي نزلت بمكة: آيات مكية، وما نزل بالمدينة يقال لها: مدنية.
واختلف العلماء في ذلك؛ فيرى البعض منهم أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، معنى هذا أن ما نزل في الأسفار لا يطلق عليه مكّي ولا مَدَنيّ، فهو قسم مستقل.
ويرى بعضهم أن المكي ما كان خطاباً لأهل مكة، والمدني ما كان خطاباً لأهل المدينة.
ويرى البعض الآخر - وهو أشهر المذاهب- أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها ولو في "مكة".
مميزات كل منهما:
١ - يرجع معظم الآيات المكية إلى توحيد الله، وإقامة البراهين على وجوده، وهدم افتراءات الملحدين؛ بينما تعرضت الآيات المدنية للأحكام الفقهية والفرائض والحدود.
٢ - الآيات المكية غالباً قصيرة؛ ليتمكن الرسول والمؤمنون من حفظها؛ بخلاف المدني.
٣ - كانت صيغة الخطاب المكي تارة تكون بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وتارة تكون بـ {يَا بَنِي آَدَمَ}، أما الخطاب المدني فيغلب عليه أن يكون بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، ولم يرد في الخطاب المدني بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} إلا في سبع آيات معلومة.
٤ - كل سورة فيها سجدة فهي مكية إلا الحج؛ فالراجح أنها مدنية.