عقد الجعالة جائز على رد الآبق ورد الضوال، وعلى البناء والخياطة وغيرها، وهو: أن يبذل جعلا على شيء من هذه الأعمال لمن عمله؛ لأن الحاجة قد تدعو إليه؛ كما يجوز عقد الإجارة للضرورة الداعية إليها.
وجملته: أن ما جاز عقد الإجارة عليه: جاز عقد الجعالة عليه، وقد تصح الجعالة حيث لا تصح الإجارة، وهو مع جهالة العامل والعمل والمدة، فتقول: من رد ضالتي، أو رد أبقى- فله كذا- يصح فالعامل مجهول؛ لأنه لا يدري متى يردها، والعمل مجهول لأنه لا يدري متى يردها ومن أين يردها، ولو قال: استأجرتك؛ لترد ضالتي بكذا، ولا يدري موضعها: لا يصح، وإنما جوزنا الجعالة مع الجهالة؛ لأن الحاجة تدعو إليه؛ فإن الرجل قد تضل له دابة، ويأبق له عبد، ولا يدري موضعه؛ فجاز مع الجهالة، كالمضاربة، ويختلفان من حيث إن الأجرة في الإجارة: يجب بنفس العقد، وفي الجعالة: لا تجب إلا بعد تسليم العمل، وأن الإجارة عقد لازم، والجعالة غير لازم: يجوز لكل واحد منهما فسخها قبل العمل، فلو أن رجلاً أبق له عبد، أو ضلت له بهيمة، فرده إنسان بغير أمر صاحبه: لا يستحق شيئاً؛ سواء كان معروفاً برد الضوال أو لم يكن.
وقال مالك- رحمة الله عليه-: إن كان معروفاً برد الضوال: فيستحق أجر المثل؛ وإلا فلا يستحق شيئاً.
وقال أبو حنيفة- رحمة الله عليه- في رد العبد خاصة: إنه إن رده من مسافة ثلاثة أيام أو أكثر، وكان معروفاً بذلك: يستحق أربعين درهماً استحساناً لا قياساً، فإن كانت قيمة العبد أقل من أربعين: ينقص عن قيمته درهم، وإن لم يكن معروفاً بذلك: لا يستحق شيئاً، وإن رده من مسافة أقل من ثلاثة أيام- قال-: يستحق أجر المثل.
وعندنا: إن رد بغير أمر صاحبه: لا يستحق شيئاً؛ لأنه رد ما لم يشرط له عليه عوض؛ كما لو رد ضالة، أو رد ما لم يكن معروفاً بالرد.
وإن رد بأمره- نظر: إن عين رجلاً، وسمى له مالاً معلوماً، فقال: إن رددت عبدي، أو ضالتي: فلك علي عشرة دراهم، فإن رد ذلك الرجل: يستحق المسمى، وإن رد غيره: لا يستحق شيئاً، وإن لم يعين أحداً، بل قال: من رد عبدي، أو قال: من رد ضالتي- فله عشرة