فلما أثرت هذه العيوب في مقصود العقد، فيثبت بها الفسخ.
أما البخر والصنان والعمى، ونحوها؛ لا يثبت [بها] الخيارُ؛ لأنها لا تخل بالمقصود من الاستمتاع عاجلاً والنسل آجلاًن وتزول بالمعالجة.
فإذا اجتمعت أنواع من هذه العيوب، بحيث تخل بالمقصود، أو كانت بأحدهما قروح سيالة، أو كانت المرأة مستحاضة - فقد أثبت بعض المتأخرين من أصحابنا بها الفسخ، والصحيح أنه لا يثبت إلا بما ذكرنا.
ولو كان بكل واحدٍ من الزوجين عببٌ - نظر إن كان به جب أو عُنة، وبها رتقٌ أو قرنٌ؛ فلا فسخ لواحدٍ منهما؛ لأنه لا يصل إلى مقصوده من الغير.
أما العيوب الثلاثة إن كانا مختلفين؛ بأن كان بأحدهما جُذام، وبالآخر برص أو جنونٌ؛ فيثبت لكل واحدٍ منهما الفسخ، فإن رضي احدهما بعيب صاحبهن فلا يلزم في حق الآخر، وله أن يفسخ.
وإن اتفق العيبان، ففيه وجهان:
أصحهما: يثبت لكل واحدٍ منهما الخيار؛ لأن الإنسان لا يعافُ من عيب نفسه، ويعافُ من عيب غيره؛ كالمتبايعين يجد كل واحد منهما بما اشترى عيباً يثبت لكل واحدٍ منهما حق الفسخ. وقيل: إذا كان به جب، وبها رتقٌ - فيه وجهان أيضاً.
والخيار بسبب العيب على الفور إلا في عب العنة، فإنه يضرب لها مدة سنةٍ.
ونعني بقولنا: "على الفور"؛ أن المطالبة بعد العلم تكون على الفور حسب الإمكان، وفي الحقيقة: لا فرق بين العُنة وسائر العيوب؛ أنه بعدما تحقق يكون على الفور، لأن العنة لاتتحقق إلا بعد مُضي سنةٍ، وسائر العيوب تُعرف على الفور.
وهل ينفرد كل واحدٍ من الزوجين بالفسخ من غير مرافعة الحاكم؟ - فيه وجهان:
أحدهما: ينفردُ؛ كفسخ البيع بالعيب ينفرد به كل واحدٍ من المتبايعين.
والثاني: لا بل يرفعُ إلى الحاكم حتى يفسخ بينهما؛ لأنه مجتهدٌ فيه كالفسخ بعيب العنة، بخلاف فسخ البيع بالعيب؛ لأنه مجمعٌ عليه، نظيره فسخ النكاح بسبب الإعسار بالنفقة.
ثم فسخ البيع بسبب الإفلاس لا يجوز حتى يرفع إلى الحاكم ليفسخ، وعلى الوجهين لو أخر بعد العلم قدر ما يأتي إلى الحاكم، فيفسخ بحضرته - يجوز.