ومن أصحابنا من قال: لا يقع به الطلاق؛ لأنه دعاء لا ينبئ عن الفراق، كقوله: بارك الله فيك.
ومنهم من قال: يقع؛ لأنه يحتمل أنه عنى به الغنى الذي وعد الله على الفراق؛ بقوله سبحانه تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣.] فهو كقوله: اعتدي.
ولو خاطبها بالكناية، فادعت المرأة: أنه أراد به الطلاق، وأنكر الزوج-: فالقول قول الزوج مع يمينه.
ولو قال لامرأته: أنا منك طالق، ونوى وقوع الطلاق عليها-: يقع، وإن لم ينو، ونوى تطليق نفسه-: لا يقع، فلفظ "الطلاق" ههنا صرحي غير محتاج إلى النية، إنما يحتاج إلى الوقوع عليها.
ولو قال: أنا منك بائن: يحتاج إلى نية الطلاق، والوقوع عليها؛ حتى يقع، وكذلك: جميع الكنايات، وعند أبي حنيفة: إذا قال: أنا منك طالق، ونوى: لا يقع، وإذا قال: أنا منك بائن ونوى-: يقع؛ لأن البينونة تشمل الجانبين؛ لأن كل واحد منهما يبين من صاحبه.
قلنا: وقوع الطلاق في لفظ البينونة بنية لفظ الطلاق، فلو كان الطلاق لا يقع بإضافة الزوج الطلاق إلى نفسه منك لكان لا يقع بإضافة البينونة إلى نفسه.
ولو قال: اعتد منك أو أستبرئ رحمي منك، ونوى تطليقها-: ففيه وجهان.
أحدهما: لا يقع؛ لأنه ليس محلاً للاستبراء والاعتداد.
والثاني: وهو الأصح-: أنه يقع؛ لأنه يكون بمعنى: أعتد عدتك، استبرئ رحمك التي كانت ملكاً لي.
ولو قال لعبده: أنا منك حر، أو أعتقت نفسي منك، ونوى-: عتق العبد.
وقال ابن أبي هريرة: يقع لطلاق: أي: أعتقت نفسي من تعهدك بعتقك.
والأصح: أنه لا يقع بخلاف الطلاق؛ لأن الطلاق يحل النكاح، والزوجية شملت الجانبين؛ فصار أحد الزوجين كناية عن الآخر، والرق لا يشمل الجانبين حتى يصير السيد كناية عن العبد.
وإن قال لامرأته: أعتقتك، ونوى الطلاق-: يقع الطلاق، وكذلك لو قال لعبده: طلقتك، ونوى العتق-: عتق.
وكذلك جميع صرائح العتق وكناياته: كنايات في الطلاق، وصرائح ألفاظ الطلاق وكناياته: كنايات في العتق.