وعند أبي حنيفة: يقتلُ الثاني دون الأول؛ لأن القطع الثاني أعدم محل القطع الأول، فانقطعت سرايته؛ كما لو حز الثاني رقبته.
قلنا: إن انقطع محلهُ لم ينقطع أثره؛ لأن ألم القطع الأول قد انتشر في أعضائه، وانضم إليه ألمُ القطع الثاني، فتعاونا على إزهاق الروح، فهو كما لو أجاف إنساناً، ثم جاء آخر ووسع تلك الجائفة، فمات - يجب عليهما القود في النفس، وليس كما لو حز رقبته، لأنه يعدم ألم الأول وأثره.
فصل في اجتماع الجراحات نم شخصٍ واحدٍ
إذا جرح رجلاً جراحاتٍ مثل: إن قطع يديه، [ورجليه]، وجب ذكره، وأنثييه عمداً - نظر: إن وقفت هذه الجراحات - فللمجني عليه أن يقتص عنها.
وإن عفا فله أربع دياتٍ، ولو أراد أن يقتص عن بعضها، أو يأخذ ديةَ بعضها - فله ذلك.
وإن لم تكن للجراحات أروشٌ مقدرةً، فوقفت ففيها حكومات، وإن سرت الجراحات إلى النفس - فالوليُّ: إن شاء، قطع أطراف الجانين فإن لم يسر، حز رقبته، وإن شاء ترك قطع الأطراف وحز رقبته، ولا شيء له من الدية، وإن عفا فلا يجب له إلا [دية] النفس؛ لأن الأطراف تابعةٌ للنفس؛ إذ لا بقاء لها بعد فوات النفس، فإذا صارت الجراحة نفساً، ووجب بدلها - سقط بدلُ الطرف.
ولو قطع أطرافه قصاصاً، ثم عفا عن النفس على الدية - سقط القود عن النفس، ولا دية له؛ لأنه لم يكن له إلا دية واحدة وقد استوفى ما يقابله [كمال الدية؛ حتى لو كان الجاني قطع يديه ورجليه؛ فمات منه، وقطع الولي يدي الجاني، وعفا عن الباقي؛ على الدية - لا دية له؛ لأنه قد استوفى ما يقابله] ديةٌ كاملةٌ.