فقطع يده الأخرى، ومات منهما [جميعاً]- لا يثبت القود في النفس في [هذا الموضع]، وثبت في الطرف الذي قطعه، وعند العفو: تجب نصف الدية مغلظةً في ماله.
وإن كانت الجنايتان من شخصين، فمات منهما، وإحداهما غيرُ مضمونةٍ بالقود - نُظر: إن كانت إحداهما عمداً، والأخرى خطأ - فلا قود على واحد منهما في النفس، وعلى العامد القصاص في الطرف الذي قطعه، وعند العفو: تجب نصف الدية مغلظة في مال العامد، ونصفها مخففة على عاقلة الجاني الخاطئ.
وكذلك إذا كانت إحدى الجنايتين عمداً، والأخرى شبه عمدٍ؛ لأن النصف الذي يجب على العاقلة مغلظة.
وإن كانت الجنايتان عمدين: محضين، وإحداهما لا توجب القود؛ مثل: إن شارك الأب أجنبيًّا في قتل الابن - فلا قود على الأب، بل عليه نصف الدية مغلظةً في ماله، ويجب على الأجنبي القودُ في النفس.
وعند أبي حنيفة - رحمه الله-: لا قود على شريك الأب؛ كما لا يجب على شريك الخاطيء.
دليلنا: نقول: جرحُ الروح بجنايتين عمدين مضمونتين؛ فامتناع وجوب القصاص على أحد الشريكين - لا يمنع وجوبه على الآخر، كما لو رمى راميان سهمين إلى إنسان، فمات أحدُ الراميين قبل الإصابة، ثم [أصابه] السهم - يجب القصاص على الثاني؛ يؤيده: أنه لو عفا عن أحد القاتلين لا يسقط القود عن الثاني؛ كذلك ههنا.
و [قد] قال بعضُ أصحابنا: القصاص ههنا وجب على الأب، ثم سقط بعفو الشرع؛ فلا يسقط عن شريكه، وليس كشري الخاطيء؛ لأن الروح هناك لم تخرج بجناية عمدٍ محضٍ، والخطأ شبهة في فعل الخاطيء؛ بدليل أنه يوصف به الفعل، فيقال: فعلٌ خطأٌ، والفعلان مجتمعان في محلٍّ واحدٍ؛ فصار فعلُ الخاطيء شبهة في حق العامد، وشبهة الأبوة ليست في الفعل، بل في ذات الأب، وذاته متميزة عن ذات الشريك، فلا تورثُ شبهة في حق الأجنبي.