بتنقيص البطش، وقد حصل بقطع اليسار؛ بخلاف القصاص؛ فإن المساواة فيه شرطٌ، وكان شيخي رحمه الله يقول: هذا صحيحٌ في الحالتين الأخريين، أما الحالة الأولى؛ إذا بذل السارق يساره عمداً، فقطعت - وجب ألا يسقط عنه قطع اليمين؛ كما لو وجب عليه قطع اليمين في السرقة [فقطعت] يساره، أو قطع يسارُ نفسه، أو قطع رجلُ يساره ظلماً - لا يسقط عنه قطع اليمين.
وكذلك: لو قطع بعد السرقة يسار إنسان - تقطع يساره قصاصاً، ولا يسقط عنه قطع اليمين بسبب السرقة، فكل موضع قلنا: القصاص باقٍ في يمين المقتص منه - لا تقطع يمينه ما لم يبرأ يساره؛ حتى لا يتعاون القطعان على زهوق الروح؛ كما لو قطع يمين رجلٍ ويسارَ آخر معاً، أو على الترتيب، فاقتص لأحدهما - لا يقتص للثاني، ما لم يندمل الأول؛ بخلاف ما لو قطع يمين رجلٍ ويساره دفعةً واحدةً - له قطعها منه دفعةً واحدةً.
ولو وجب له القصاص في اليمين، فصالحه على قطع اليسار - لم يصح الصلح؛ لأن الدماء لا تستباح بالعوض.
وإذا قطع يساره - لا قصاص عليه؛ لأن صاحبها بذلها، وهل يسقط القصاص عن اليمين بهذا الصلح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسقط؛ لأن عدوله إلى العوض رضاً منه بسقوط القصاص.
والثاني: لا يسقط؛ لأنه لم يسلم له البدل؛ فلا يسقط حقه عن البدل.
فإن قلنا: يسقط [حقه عن البدل]- فله دية اليمين، وعليه دية اليسار - فيتقاصان.
وإن قلنا: لا يسقط - فله القصاص في اليمين، وعليه دية اليسار؛ لأن الباذل لم يبذله مجاناً، والله أعلم.
باب عفو المجني عليه
قال الله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [البقرة: ١٧٨]: من وجب له حق على آخر - فالعفو عنه مندوبٌ إليه مستحبٌّ؛ قال الله تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠]: ومن ثبت له القصاص في نفس أو طرف، فعفا عنه - يسقطُ.