للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصلٌ

إذا كانوا في سفينةٍ، فثقلت، وخافوا الغرق فألقى رجلٌ متاع نفسه أو متاع غيره بإذنه في البحر؛ لتخف السفينةُ، فيسلم من الغرق - لا يجب الضمان على أحد، ولو ألقى متاع غيره بغير إذنه - يجب الضمان.

ولو قال رجلٌ لآخر: ألق متاعك في البحر؛ على أني ضامنٌ، فألقى - يجب الضمان على القائل، سواءٌ كان القائلُ معه في السفينة، أو لم يكن، وسواءٌ سلم أو لم يسلم، فإن لم يسلم، وغرق - يكون في تركته، وتعتبر قيمة المال لما قبل هيجان الأمواج؛ لأنه لا قيمة له في تلك الحالة، ولا تجعل قيمته في البحر كقيمته في البر؛ لأن المال في البحر يعرض للهلاك.

وقال أبو ثور: لا يجب الضمان على القائل؛ لأنه ضمان ما لم يجب.

قلنا: ليس هذا بحقيقة ضمان؛ لأن الضمان يستدعي مضموناً عنه؛ وليس ههنا مضموناً [عنه] ولكنه بذل مال [لنا] لتخليص جماعةٍ من الهلاك؛ كما لو قال: أطلق هذا الأسير، ولك علي ألفٌ، فأطلقه - يستحق الألف، وكذلك قال شيخي - رحمه الله-: لو قال لمن له القصاص: أعفُ ولك عليَّ ألفٌ، فعفا - يستحق الألف، ولا دية له، وكذلك لو قال أطعم هذا الائع، ولك عليَّ كذا، فأطعم يستحق ما سمي، فأما إذا قال: ألق متاعك في البحر، ولم يقل على أني ضامنٌ - ففعل: لا شيء عليه؛ سواءٌ كان القائل معهم في السفينة أو لم يكن؛ كما لو قال: أعتق عبدك، أو طلق زوجتك، ولم يشترط عليه عوضاً، ففعل - لا شيء على القائل، ولو قال واحدٌ من ركبان السفينة لآخر: ألق متاعك في البحر؛ على أني ضامن، وركبان السفينة، ففعل - يجب على كل واحدٍ حصته؛ إن قال ذلك بأمر أصحابه؛ مثل: إن كانوا عشرة - فعلى كل واحدٍ عشر الضمان، وإن قال دون أمرهم - فعلى القائل حصته، ولا شيء على الآخرين، وإن رضوا بعده، وقول الشافعي - رضي الله عنه-: "ضمنه دونهم" أراد به حصته، لا الجميع؛ كما توهمه المُزني.

وإن قال: على أني ضامن، وركبان السفينة، أو قال: أنا وهم ضمناء، وأنا ضامن عنهم أو أنا أضمن من مالهم - فعليه ضمان الكل، ثم إن قال بإذنهم - رجع عليهم بحصتهم، وإن أنكر أصحابه الإذن - فالقول قولهم، ولا رجوع له عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>