ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين".
وقد ذكرنا: أن الدية في الخطإ وشبه العمد - تكون على العاقلة، وليس ذلك يقاس؛ لما فيه من مؤاخذة غير الجاني بجناية الجاني، ولكن أهل القبائل كانوا يقومون بنصرة من جنى من قبيلتهم، ويمنعون أولياء المجني عليه من طلب حقه؛ فجعل الشرع تلك النصرة ببذل المال، واختص التحمل بالخطأ، وشبه العمد؛ لأنه مما لا يمكن الاحتراز عنه، ويكثر [ذلك] من الإنسان - ففي إيجاب ضمانه في ماله إجحاف به؛ فأوجبه على العاقلة؛ على طريق المواساة؛ لكون الجاني معذوراً فيه، وجعله مؤجلاً عليهم؛ نظراً لهم في تلك المواساة، ولا يجب [شيء منه] على الجاني، ولا على أحد من بنيه، ولا من أولاد بنيه، ولا على أبيه، ولا على احد من أجداده، لأنه لما لم يجب على الجاني - لا يجب على من بينه وبين الجاني بعصبةٍ، حتى لو كان ابن القاتل ابن عمه أو معتقه أو أبوه معتقه - فلا يتحمل؛ لوجود البعضية.
وعند أبي حنيفة -رحمه الله - يجب على أبيه وابنه، ويجب في ماله إذا كان عاقلاً بالغاً ذكراً ما يجب على واحدٍ من العاقلة، والسنة حجة لمن لم يوجب.
ثم الوجوب يلاقي الجاني، ثم تتحمل عنه العاقلة أم يلاقي العاقلة ابتداء
لأصحابنا فيه جوابان:
أصحهما: يلاقي الجاني، ثم تتحمل عنه العاقلة، [بدليل أن الجاني لو] لم تكن من أهل أن تتحمل عنه؛ بأن كان مرتداً- تؤخذ الدية من ماله، وإن كان ذمياً، وعاقلته أهل حرب - تؤخذ من ماله.
ولو أقر على نفسه بقتل خطإ، وكذبته العاقلة - تكون الدية في ماله.
والثاني: تجب على العاقلة ابتداء؛ بدليل أنه لا يطالب [به] الجاني.
وفائدته تتبين فيما إذا لم يكن للقاتل عاقلة، أو كانوا معسرين، ولم يكن في بيت