يرسلون مواشيهم بالنهار للرعي، ويردونها بالليل إلى بيوتهم، وعند أبي حنيفة: لا يجب الضمان في الحالين، والحديث حجة عليه.
ثم هذا عندنا، إن كان الزرع في الصحراء، أو كان في بلدٍ، ليس لبساتينها حيطان - قال الشافعي - رضي الله عنه - وحيطان المدينة لا جُدُرَ لها، فإن كان في بلد لبساتينها [جُدُر] أو كان زرع رجل في حائط له باب مغلق، فلم يغلق رب الزرع الباب اختلف أصابنا فيه، منهم من قال - وهو الأصح؛ وبه قال صاحب "التلخيص": لا ضمان على صاحب البهيمة؛ ليلاً كان أو نهاراً؛ لأن التفريط من صاحب الحائط حيث لم يُغلق الباب؛ إلا أن يسد الباب، ويغلقه، فاقتحمت الدابة الجدار، أو خرقت البرجين، وهو: جدار من خشب يُجعل للبستان - فحينئذ: يضمن؛ لأن صاحب الزرع لم يضيعه.
ومنهم من قال: يجب الضمان بالليل، بكل حالٍ؛ لأن الدواب تحفظ بالليل في البيوت؛ فمن لم يحفظ. فقد فرط.
ولو حبس صاحب الدابة دابته بالليل في البيت، فانهدم الجدار، أو ربطها، فحلت الرباط، وأتلفت مالاً - فلا ضمان، وإن كانت القرية صغيرة تتقارب أراضيها، وتكون مراعي الدواب في تضاعيف المزارع، وجرت العادة بأن الدواب تسيب فيما بينها، ويحفظها مالها، حتى لا يفسد الزرع، فإذا خلاها بين المزارع - يضمن بالنهار أيضاً، وكذلك: إن كانت لأهل بلد مرج يخرجون إليها المواشي أياماً؛ ليلاً أو نهاراً، يرعاها حافظ - يجب ضمان ما أتلفت، ليلاً كان أو نهاراً، ولو كانت عادة بلد أنهم يحفظون الدواب بالنهار، ويسيبونها بالليل - هل تعتبر عادتهم؛ حتى يجب ضمان [ما أتلفت بالنهار، ولا يجب ضمان] ما أتلفت بالليل؟ فيه وجهان.
ولو كانت له هرة مفسدة؛ تأخذ الطيور، وتفتح القدور، أو لكب عقور، أو دابة معروفة بالتعدي - يجب على صاحبها ربطها، ليلاً كان أو نهاراً، فإن لم يفعل: فما أتلفت - يجب عليه ضمانه؛ لأنه مفرط بترك حفظها، وقيل: لا يضمن ما أتلفت الهرة والكلب؛ ليلاً أو نهاراً؛ لأن العادة ما جرت بربطها.
ولو رمى رجلٌ إلى الهرة حالة قصدها إلى الحمام والطير دفعاً، فقتلها - لا يجب الضمان، وفي غير تلك الحالة: لو قتلها - يجب الضمان، وإن أخذت الحمامة، وهي حية في فمها- ذلك أذنها، والضرب في فيها حتى تُرسل، وإن كان في داره دابةٌ رموحٌ أو كلبٌ