والثاني: وبه قال أبو حنيفة، - رحمه الله-: لا يُقتلون؛ لأنهم لا يقاتلون؛ كالنساء، [والصبيان]؛ رُوي أن أبا بكر بعث جيشاً إلى "الشام"؛ فنهاهم عن قتل الشيوخ، وأصحاب الصوامع".
ومن قال بالأول أجاب بأنه: إنما نهى عن قتلهم؛ ليشغلوا بالهم، وهم المقاتلة؛ كما أنه نهى عن قطع الأشجار المثمرة، وقد كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قطع نخل بني النضير، ولكن نهى عنه؛ ليشتغلوا بالأهم؛ ولأنه كان يرجو إبقاء نفعها للمسلمين؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان وعدهم فتح "الشام".
فإن قلنا: يُقتلون-: جاز استرقاقهم وسبي ذراريهم، ونسائهم، [وأموالهم].
وإن قلنا: لا يُقتلون-: لا يجوز استرقاقهم، وسبي نسائهم، وأولادهم، واغتنام أموالهم، وقيل في سبي زوجاتهم، وجهان؛ كسبي زوجة المسلم، إذا كانت حربية.
وإذا ترهبت المرأة، هل يجوز استرقاقها؟ فيه قولان؛ بناء على قتل الرجل الراهب، ويتوفى في القتال قتل قريبه الكافر؛ فن النبي - صلى الله عليه وسلم - كف أبا حذيفة بن عتبة يوم بدر عن قتل أبيه، وكف أبا بكر يوم أحد عن قتل ابنه عبد الرحمن، فلو سمع، أباه أو قريبه يذكر الله أو رسوله بسوء -: لم يكره، وله أن يقتله؛ فإن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه، وقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كان يسبك"؛ فلم ينكر عليه.
فصلٌ
قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ} الآية [الأنفال: ١٥].
إذا التقى الصفان، وكان بمقابلة كل مسلم مشركان-: [فإنه] لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يولي هره فراراً، فمن فعل فقد باء بغضب من الله؛ إلا أن يولي متحرفاً