وإنما قلنا: يجب نصف أرش الجراحة؛ لأن ضمان الطرف إنما يدخل كله في ضمان النفس، إذا كان كل بدل النفس مضموناً عليه.
وههنا: نصف بدل النفس عليه، والنصف على غيره، فيدخل فيه نصف أرش جراحته.
بيانه: قيمته عشرة انتقص بجرح الأول من قيمته دينار، ويجرح الثاني دينار؛ فيجب على كل واحد نصف دينار، ثم ينصف الباقي- وهو ثمانية بينهما، ويكون على كل واحد أربعة ونصف.
ففي الصيد: يجب على الثاني أربعة دراهم ونصف؛ فلم يصل إلى المالك إلا تسعة؛ ويجوز ذلك، وإن كانت قيمته عشرة؛ لأن الجراحات إذا توالت على شخص تارة: توجب زيادة في القيمة، وتارة: توجب نقصاناً؛ مثل: إن قطع يد عبد قيمته ألف، فعادت قيمته إلى مائتين، ثم جاء آخر وقتله، فعلى القاطع خمسمائة، وعلى القاتل مائتان، فكانت قيمة العبد ألفاً، ولم يصل إلى المالك إلا سبعمائة.
ومن قال بهذه الطريقة لا يفصل بين أن يدركه مالكه حياً، فأمكنه ذبحه، فلم يذبح، وبين ألا يدركه.
والطريقة الثانية: لا يجعل هذا كالجناية على العبد؛ لأن تلك الجناية جراحة مفسدة، وجرح الصيد للاصطياد والاكتساب، بل ينظر في المزمن الأول: إن لم يدركه حياً، ولم يتمكن من ذبحه-: يجب على الثاني قيمته مزمناً للأول؛ كما لو أجهز قتله، وإن أدركه حياً، وأمكنه أن يذبح، فلم يذبح، ففيه وجهان:
أحدهما: لا شيء على الثاني إلا أرش جراحته؛ لأن التفريط من الأول يترك الذبح.
والثاني: هو كما لو لم يتمكن من الذبح، فعلى الثاني قيمته مزمناً؛ كما لو جرح شاة لرجل، فماتت-: يجب عليه تمام قيمتها، وإن ترك المالك ذبحها معتالإمكان.
وأما إذا رمى إلى صيد، فأصابه، ولم يزمنه، ورمى إليه آخر، فجرحه، وأزمنه-: فالصيد للثاني، ولا شيء على الأول بسبب جرحه؛ لأنه حين جرحه كان مباحاً، فلو رمى إليه الأول بعدما أزمنه الثاني، وجرحه- نظر:
إن أصاب مذبحه-: فهو حلال، وهو للثاني، وعلى الأول ما بين قيمته مزمناً ومذبوحاً.