للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويكره للحر اختيار المكاسب الدنيئة؛ كالحجامة والكنس والذبح والدبغ؛ لأنه يدل على دناءة الهمة وقلة المروءة، وأمر بإطعام الرقيق منه؛ لأنه أدنى حالاً من الحر، والله أعلم.

باب ما لا يحل أكله ويجوز للمضطر

قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣].

قوله: {غَيْرَ بَاغٍ} قيل: أي: لا يبغي في الأرض بالفساد، {وَلا عَادٍ} أي: لا يعدو في الأكل قدر الحاجة.

أكل الميتة وشرب الدم والبول- حرام عند عدم الضرورة، وكذلك إذا كان به أدنى جوع أو عطش- لا يحل تناوله، فإذا اضطر إليه، وصار إلى أدنى الرمق، ولم يجد طعاماً حلالاً- يجوز له تناوله، وهل يجب تناوله؟ فيه وجهان:

أحدهما: يجب؛ لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩].

وقال أبو إسحاق: لا يجب؛ لأن له غرضاً من ترك ما هو محرم.

أما إذا عيل صبره، وأجهده الجوع- فهل له تناول الميتة؟ فيه قولان:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني: لا يجوز ما لم يصر إلى أدنى الرمق؛ لأن الضرروة خوف الهلاك ولم يتحقق ذلك.

والثاني: يحل لأنه إذا صار إلى أدنى الرمق [لا يسيغه الطعام اللذيذ، فكيف يتناول الميت، وإن قلنا: لا يحل، فصار إلى أدنى الرمق]، وأبحنا له الأكل- فهل يحل له أن يأكل قدر الشبع؟ فيه قولان:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني: لا يحل إلا قدر سد الرمق؛ لأنه بعد سد رمقه غير مضطر إليه.

والثاني: يحل؛ لأن كل طعام جاز أن يتناول منه قدر سد الرمق- جاز أن يتناول منه قدر الشبع؛ كالطعام الحلال وليس كالابتداء؛ لأن الأصل هناك التحريم، حتى تتحقق الضرورة، وههنا الإباحة إلى أن يشبع، فإن قلنا: له أن يأكل قدر الشبع، فأكل قدر سد

<<  <  ج: ص:  >  >>