ويكره للحر اختيار المكاسب الدنيئة؛ كالحجامة والكنس والذبح والدبغ؛ لأنه يدل على دناءة الهمة وقلة المروءة، وأمر بإطعام الرقيق منه؛ لأنه أدنى حالاً من الحر، والله أعلم.
قوله:{غَيْرَ بَاغٍ} قيل: أي: لا يبغي في الأرض بالفساد، {وَلا عَادٍ} أي: لا يعدو في الأكل قدر الحاجة.
أكل الميتة وشرب الدم والبول- حرام عند عدم الضرورة، وكذلك إذا كان به أدنى جوع أو عطش- لا يحل تناوله، فإذا اضطر إليه، وصار إلى أدنى الرمق، ولم يجد طعاماً حلالاً- يجوز له تناوله، وهل يجب تناوله؟ فيه وجهان:
وقال أبو إسحاق: لا يجب؛ لأن له غرضاً من ترك ما هو محرم.
أما إذا عيل صبره، وأجهده الجوع- فهل له تناول الميتة؟ فيه قولان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني: لا يجوز ما لم يصر إلى أدنى الرمق؛ لأن الضرروة خوف الهلاك ولم يتحقق ذلك.
والثاني: يحل لأنه إذا صار إلى أدنى الرمق [لا يسيغه الطعام اللذيذ، فكيف يتناول الميت، وإن قلنا: لا يحل، فصار إلى أدنى الرمق]، وأبحنا له الأكل- فهل يحل له أن يأكل قدر الشبع؟ فيه قولان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني: لا يحل إلا قدر سد الرمق؛ لأنه بعد سد رمقه غير مضطر إليه.
والثاني: يحل؛ لأن كل طعام جاز أن يتناول منه قدر سد الرمق- جاز أن يتناول منه قدر الشبع؛ كالطعام الحلال وليس كالابتداء؛ لأن الأصل هناك التحريم، حتى تتحقق الضرورة، وههنا الإباحة إلى أن يشبع، فإن قلنا: له أن يأكل قدر الشبع، فأكل قدر سد