وأول ما يدخل ينظر في أمر [المحبوسين، ويأمر منادياً ينادي: ألا من له خصم محبوس، فليحضر. ثم من أقر من] المحبوسين أنه حبس بحق رده إلى الحبس، ومن ذكر أنه مظلوم؛ نظر: إن كان حبسه القاضي تعزيراً، لا يقبل قول المحبوس: إني مظلوم؛ وإن كان حبسه بدعوى مدع، سأل حابسه أن يعيد الدعوى والبينة على حقه، فإن فعل رده إلى الحبس، وإلا أطلقه.
فإن قال: حبست في دين وأنا مفلس، فإن أثبت إعساره أطلق، وإلا رد إلى الحبس؛ وإن كان الذي حبسه غائباً هل يطلقه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يطلقه؛ لأن الأصل أن لا حبس عليه، ويستحب أن يكفله.
والثاني: لا يطلقه؛ لأن الظاهر أنه حبس بحق.
ثم ينظر في أمر الأوصياء والأمناء، ثم في اللقطة، والضوال، والأوقاف العامة، وغيرها من المصالح؛ يقدم الأهم فالأهم؛ لأنه ليس لها مستحق متعين.
ويستحب ألا يقضي في المسجد، وهل يكره؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يكره، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم كان يقضي في المسجد.
والثاني- وهو الأصح-: يكره؛ لكثرة الغاشية، وارتفاع الأصوات، وحضور الحيض، والكفار. والنبي- صلى الله عليه وسلم كان يقضي في المسجد؛ لأن مجلسه كان مصوناً، لم يكن يكثر فيه الصخب واللدد.
هذا إذا استوطن المسجد للقضاء؛ فإن اتفقت قضية أو قضيتان، فلا يكره.
والتحليف في المسجد فيما يعظم خطره مشروع؛ كما لاعن النبي- صلى الله عليه وسلم- بين العجلاني وزوجته في المسجد.
وإقامة الحد في المسجد أشد كراهية من القضاء؛ لأنه لا يخلو عن رفع الأصوات، ولا يؤمن من تلويث المسجد.
ويستحب أن يجلس القاضي للقضاء في مكان نزه إن كان صيفاً لا يكون حاراً، وإن كان شتاء لا يكون بارداً يؤذيه الحر والبر، ولا يكون مهباً للرياح.