وقال عمر: أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة ولي اليتيم: {مَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ٦].
وبعث عمر عمار بن ياسر والياً، وعبد الله بن مسعود قاضياً، وعثمان بن حنيف ناسخاًن وفرض لهم كل يوم شاة؛ فيجوز للإمام وللقاضي أن يأخذ من بيت المال، إن كان معسراً ما يكفيه وعياله مما يحتاج إليه من: النفقة، والكسوة اللائقة بحاله؛ من: العمامة، والذراعة؛ والخف.
ويتخذ الإمام منه الخيل والغلمان والدار الواسعة. ولا تعتبر مؤنة الإمام في زماننا بمؤنة النبي- صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين من بعده؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان منصوراً بالرعب، وكان الإسلام غضاً في زمان الخلفاء الراشدين، ويهابهم الناس؛ لبقاء أثر النبوة في وقتهم، وقد تغيرت الأمور والقلوب بعدهم. فلو لم يتكلف الإمام ما ذكرنا، وعاش بين الناس كواحد منهم- لم يكن مطاعاً، وتعطلت أمور الشريعة.
ويجعل القاضي لمن يحتاج إليه من الكاتب والأعوان رزقاً؛ لأنه يحتاج إليهم؛ لإحضار الخصوم، ويجعل لقراطيسه شيئاً منها؛ لأنه يحتاج إليها لكتبة المحاضر والسجلات.
ويجوز أن يتخذ سجناً؛ فإن عمر- رضي الله عنه- اشترى داراً بـ"مكة" بأربعة آلاف درهم، وجعلها سجناً، ولأنه يحتاج إليه للتأديب، ولاستيفاء الحق ممن يماطل.
فصل
روي عن معاذ- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى "اليمن" قال: "كيف تقضي؟ قال: بما في كتاب الله قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟ " قال: بسنة رسول الله؛ قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ " قال: أجتهد رأيي؛ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم": "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله".
ويجب على القاضي أن يقضي بكتاب الله عز وجل؛ فإن لم يجد الواقعة في كتاب الله، فبسنة رسول الله؛ فإن لم يجد في السنة، يجتهد. وكذلك المفتي؛ يجب أن يفتي بالكتاب،