وعند أبي حنيفة: القول بالاستحسان مقدم على القياس، وعلى الخبر؛ إذا كان من الآحاد. وهذا لا يصح؛ لأن القول بالاستحسان تحكيم الهوى، وتسليط كل إنسان على ما يشتهي، ولو جاز ذلك لجاز أن يشرع في الدين؛ فيكون فيه نصب شرع آخر.
فإن قيل:[أليس] قد استحسن الشافعي في مواضع؛ فقال: وحسن أن يضع إصبعيه في أذنيه في الآذان، واستحسن الاستحلاف بالمصحف. وقال: ومراسيل ابن المسيب حسن. قلنا: هذا الاستحسان بالقياس؛ لأن الآذان لإعلام الناس، فإذا وضع المؤذن إصبعيه في أذنيه خرج الصوت من منفذ واحد، وكان أعلى.
واستحسن اليمين بالمصحف؛ لأن اليمين للرد والزجر.
فإذا وضع المصحف في حجره، كان أبلغ في الزجر.
واستحسن مراسيل ابن المسيب؛ لأنه لا يروي خبراً مرسلاً إلا ويرويه غيره مسنداً.
والاستحسان نوعان: واجب بالاتفاق؛ وهو أن يكون بدليل من: الكتاب، والسنة، أو الإجماع، أو القياس.
والنوع الثاني: استحسان على مخالفة الدليل؛ وهو أن يكون الشيء محظوراً بدليل شرعي، وعادة الناس إباحته؛ فلا يجوز المصير إلى العادة؛ خلافاً لأبي حنيفة. فهذا هو الاستحسان [بغير القياس] الذي ننكره.
إذا ثبت أن الاستحسان بغير القياس لا يجوز، والقياس نوعان: جلي، وخفي.